للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّارِحُ وَالصَّوَابُ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَوَانِعِ عَنْ الْقَبْضِ وَهُوَ الْمُسَلِّمُ دُونَ الْمُتَسَلِّمِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ؛ لِأَنَّهُ اكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْقَبْضُ فِعْلٌ لِغَيْرِهِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ فِي الْمَنْقُولِ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْغَصْبِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ مَشْرُوعٌ فَيُشْبِهُ الْبَيْعَ فَاكْتُفِيَ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى ثُبُوتٍ بِدُونِ قَبْضٍ حَقِيقَةً وَهُوَ النَّقْلُ وَوَضْعُ الْيَدِ وَلَا يَرِدُ النَّقْضُ بِالصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَبْضِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ بِالْكِتَابَةِ وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَبْضِ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ: الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا فِي حَقِّ الرَّهْنِ بِالْقَبْضِ اهـ.

وَإِنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالدَّفْعِ وَقَبَضَ الرَّاهِنُ الدَّرَاهِمَ فَلَوْ قَالَ وَلَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا مَا لَمْ يَتَقَابَضَا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَلَا يُقَالُ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ الْمُفِيدُ أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ يُنَافِيهِ مَا نُقِلَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ رَهَنَ عِنْدَهُ دَابَّتَيْنِ عَلَى مِائَةٍ فَدَفَعَ لَهُ دَابَّةً وَقَبَضَ مِنْهُ خَمْسِينَ وَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ الدَّابَّةَ الْأُخْرَى وَامْتَنَعَ مِنْ قَرْضِ الْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةِ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَرْضِ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ فَمَا شُرِطَ عَلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ اهـ.

لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ تَبَرُّعٌ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ قَبْلَ دَفْعِ شَيْءٍ مِنْ الرَّهْنِ فَلَا مُنَافَاةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلرَّاهِنِ بِالْفِعْلِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ.

قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَتَقَاضَاهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِ الْمَدْيُونِ رَهْنًا بِدَيْنِهِ وَأَعْطَاهُ مِنْدِيلًا صَغِيرًا يَكْفِيهِ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ أَحْضِرْ دَيْنِي لِأَرُدَّهَا عَلَيْك فَذَهَبَ الرَّجُلُ وَجَاءَ بِدَيْنِهِ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَقَدْ هَلَكَتْ الْعِمَامَةُ قَالَ هَلَكَتْ بِالدَّيْنِ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِتَكُونَ رَهْنًا لَمْ تَكُنْ رَهْنًا بَلْ غَصْبًا، رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَبَى الْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْفَعُ لَك الثَّمَنَ حَتَّى أَقْبِضَهَا فَاتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الثَّمَنِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ فَوَضَعَ رَهْنًا بِالثَّمَنِ فَهَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى رَهَنَ عَبْدًا بِكُرِّ حِنْطَةٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَظَهَرَ أَنَّ الْكُرَّ لَيْسَ عَلَى الرَّاهِنِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ قَبْضُ كُرٍّ دُونَ الْعَبْدِ وَفِي التَّتِمَّةِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَمَنُ عَيْنٍ اشْتَرَاهَا دَنَانِيرَ فَدَفَعَ لِلْبَائِعٍ صُرَّةً فِيهَا دَنَانِيرَ، فَقَالَ خُذْ هَذِهِ الصُّرَّةَ حَتَّى أَنْفَذَ لَك الثَّمَنَ، ثُمَّ هَلَكَتْ تَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ قَالَ قُلْت تَهْلِكُ هَلَاكَ الرَّهْنِ أَمْ هَلَاكَ الثَّمَنِ؟ قَالَ هَلَاكُ الثَّمَنِ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ دَيْنَهُ أَجْوَدُ لَا يَرْجِعُ بِالْجُودَةِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ كَانَا فِي الْوَزْنِ سَوَاءً، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ مَضْمُونٌ بِأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ فَلَوْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ وَبِقَدْرِ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ) ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرَّهْنُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُرْتَهِنِ الَّذِي هَلَكَ عِنْدَهُ الْفَرَسُ ذَهَبَ حَقُّهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ هَلَكَ الدَّيْنُ» أَوْ مَا مَعْنَاهُ وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ عَلَى ذَلِكَ وَبَيَانُ الدَّلِيلَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَفِي الْكَافِي بَيَانُهُ إذَا رَهَنَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ دَيْنُهُ، وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الثَّوْبِ خَمْسَةً يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِخَمْسَةٍ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ عِنْدنَا، وَفِي الْيَنَابِيعِ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَفَائِدَةُ هَذَا تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَأَبَقَ فَرَدَّهُ رَجُلٌ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْجُعْلَ عَلَى الرَّاهِنِ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ نِصْفُهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ وَنِصْفُهُ أَمَانَةٌ فَيَكُونُ الْجُعْلُ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ وَمِنْهَا مُدَاوَاةُ الْأَمْرَاضِ وَالْجُرُوحِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ ذَلِكَ عَلَى الْمَضْمُونِ وَعَلَى الْأَمَانَةِ بِالْحِصَصِ وَمَا أَصَابَ الْمَضْمُونَ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ وَمَا أَصَابَ الْأَمَانَةَ فَعَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ قَالَ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْمَضْمُونِ وَمِنْ الدَّيْنِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالْبَاطِلُ مِنْ الرَّهْنِ مَا لَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا أَصْلًا كَالْبَاطِلِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْفَاسِدُ مَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا لَكِنْ بِوَصْفِ الْفَسَادِ وَالْمُقَابِلِ بِهِ يَكُونُ مَالًا مَضْمُونًا، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا، وَلَمْ يَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>