رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ تَجُوزُ فِي الْمُشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ لَا الْحَبْسُ وَالشَّرِيكُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ ذَلِكَ وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ.
وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ، وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَوِي الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْحُرِّيَّةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ لَا يُمْكِنُ حُكْمُهَا وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْمَنْعُ فِي الِابْتِدَاءِ لِنَفْيِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا عَرَفَ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْمَوْهُوبِ وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ فِي بَعْضِ الْمَرْهُونِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَجُوزُ مَا هُوَ مَشْغُولٌ بِحَقِّ الْغَيْرِ، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا نِصْفَهُ بِسِتِّمِائَةٍ وَنِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سُمِّيَ النِّصْفُ بَدَلًا عَلَى حِدَتِهِ صَارَ صَفْقَتَيْنِ كَأَنَّهُ رَهَنَ كُلَّ نِصْفٍ بِصَفْقَةٍ فِي الِابْتِدَاءِ فَوَقَعَ شَائِعًا فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْإِشَاعَةُ فِي الْعَقْدِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ فَيَصِيرُ تَفْرِيعًا إلَى آخِرِهِ مَعَ أَنَّ الْمَانِعَ الْإِشَاعَةُ عِنْدَ الْقَبْضِ فَلَوْ قَالَ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ عَقْدًا وَقَبْضًا لَكَانَ أَوْلَى، وَلَوْ رَهَنَ قُلْبًا وَزْنُهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَكَسَرَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ الْقُلْبَ وَيَصِيرُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِصُورَةِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا الثَّمَرَةُ عَلَى النَّخْلِ دُونَهَا وَلَا زَرْعٌ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا وَلَا نَخْلٌ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا) ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمُتَّصِلِ وَحْدَهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُشَاعِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَهْنَ الْأَرْضِ دُونَ الشَّجَرِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّبَاتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنِيِّ فَتَكُونُ الْأَرْضُ جَمِيعًا رَهْنًا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ، وَلَوْ رَهَنَ النَّخْلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّخْلِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَمُجَاوَرَةُ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَيَدْخُلُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ النَّخْلُ وَالتَّمْرُ عَلَى النَّخْلِ وَالزَّرْعُ وَالرَّطْبَةُ وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ سِوَى النَّخْلِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ بِدُونِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَبِخِلَافٍ الْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ بِهَا حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ لَهَا وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهَا بِكُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا لَا يَدْخُلُ الْمَتَاعُ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَدْخُلُ.
وَكَذَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي رَهْنِ الدَّارِ وَالْقَرْيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَأَخْذُهُ جَازَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ مَوْضِعًا مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ رَهْنَهُ ابْتِدَاءً يَجُوزُ فَكَذَا بَقَاءً، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ بِأَنْ اسْتَحَقَّ جُزْءًا شَائِعًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ كَالتَّمْرِ وَنَحْوِهِ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ بَاطِلًا وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ حَتَّى إذَا رَهَنَ دَارًا وَهُوَ فِيهَا، وَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك لَا يَتِمُّ الرَّهْنُ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ الدَّارِ سَلَّمْتهَا إلَيْك؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْأَوَّلَ وَهُوَ فِيهَا وَقَعَ بَاطِلًا لِشُغْلِهَا بِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا كَمَا إذَا سَلَّمَهَا وَمَتَاعُهُ فِيهَا وَيُمْنَعُ تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ الْحِمْلِ الَّذِي عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقَى الْحِمْلُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَتَّى يَكُونَ رَهْنًا إذَا دَفَعَ الدَّابَّةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مَشْغُولَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي دَارٍ أَوْ فِي وِعَاءٍ دُونَ الدَّارِ، وَالْوِعَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ فِي السَّرْجِ وَاللِّجَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخْلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَفِي التَّتِمَّةِ سَأَلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ عَمَّرَ عِمَارَةً عَلَى أَرْضِ السُّلْطَانِ كَحَانُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ وَرَهَنَهُ وَسَلَّمَ لِلْمُرْتَهِنِ أَخَذَ الْأُجْرَةَ قَالَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَطِيبُ لِلْمُرْتَهِنِ.
قَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ رَهَنَ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ وَالْكَرْمَ بِمَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَبْضُهَا بِمَا فِيهَا بِالتَّخْلِيَةِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ دُونَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ دُونَهَا لَصَحَّ الرَّهْنُ فِي الْكُلِّ، وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ كُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَرْهُونِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَالثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالرَّطْبَةِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ بِدُونِ مَا يَصِلُ بِهِ فَكَانَ إطْلَاقُ الْعَقْدِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا فِيهِ تَصْحِيحُهُ فَيَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ تَبَعًا تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، وَلَوْ رَهَنَ الدَّارَ بِمَا فِيهَا صَحَّ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ بِمَا فِيهَا وَيَصِيرُ الْكُلُّ رَهْنًا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ عَنْ رَهْنِ عَشَرَةٍ مِنْ الْكُرْدِ وَقَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ وَاحِدَةً مُسْبِلَةً وَأُخْرَى مُشَاعَةَ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَغَيْرِهِ كَيْفَ يَبْقَى الرَّهْنُ فِي الْبَوَاقِي مِنْ الْكُرْدِ الْفَارِغَةِ، فَقَالَ فِي الْبَوَاقِي الرَّهْنُ صَحِيحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute