للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَتَّى لَوْ بَاعَ هَذِهِ الْكُرْدَةَ الْفَارِغَةَ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَقْضِيَ بِالدَّيْنِ وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ وَالْخُجَنْدِيُّ عَنْ الرَّجُلِ اسْتَأْجَرَ دَارًا إجَارَةً صَحِيحَةً وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً، ثُمَّ إنَّ الْمُؤَجِّرَ رَهْنَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ هَلْ يَصِحُّ هَذَا الرَّهْنُ وَهَلْ تَبْقَى الْإِجَارَةُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ تَصِيرُ رَهْنًا مَعَ وُجُودِ الْقَبْضِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ صَحَّ الرَّهْنُ وَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَعَنْ أَبِي حَامِدٍ رَجُلٌ دَفَعَ لِرَجُلٍ رَهْنًا عَلَى ثَمَانِمِائَةٍ فَدَفَعَ لَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الرَّهْنَ وَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الْبَاقِي.

قَالَ يَكُونُ رَهْنًا بِهَذَا الْقَدْرِ وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ إذَا غُصِبَتْ مِنْ إنْسَانٍ وَأَتْلَفَ مِنْهَا جُزْءًا أَوْ كُلَّهَا يَضْمَنُ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ قَالَ يَضْمَنُ، وَكَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِهِ وَسُئِلَ الْخُجَنْدِيُّ عَنْ رَجُلٍ رَهَنَ عِنْدَ آخَرَ وَكَفَلَتْ زَوْجَتُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَطَالَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الْكَفِيلَ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ فَحَبَسَهُ الْقَاضِي وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ قَالَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا نَعَمْ وَسُئِلَ أَبُو الْفَضْلِ عَنْ رَجُلٍ رَهَنَ عِنْدَ آخَرَ دَارًا إلَى سَنَةٍ بِدَيْنٍ عَلَى الرَّاهِنِ وَقَبَضَ الدَّارَ هَلْ يَكُونُ التَّأْجِيلُ مُفْسِدًا لِلرَّهْنِ قَالَ إنْ كَانَ الْأَجَلُ فِي الرَّهْنِ فَسَدَ، وَإِنْ كَانَ فِي الدَّيْنِ لَا يَفْسُدُ، وَهَكَذَا فِي الْإِيضَاحِ سُئِلَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ إذَا مَاتَ وَوَرَثَتُهُ يَعْرِفُونَ الرَّهْنَ وَلَا يَعْرِفُونَ الرَّاهِنَ وَيَطْلُبُونَ الْخُرُوجَ عَنْ الْعُهْدَةِ هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ اللُّقَطَةِ قَالَ يُحْفَظُ حَتَّى يَظْهَرَ الْمَالِكُ، وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ، وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ يَقْسِمُ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَةِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فَمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ أَوْ رَهَنَ شَاتَيْنِ بِثَلَاثِينَ أَحَدِهِمَا بِعَشَرَةٍ وَالْأُخْرَى بِعِشْرِينَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّهُمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بِسَبَبِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ تَقَعُ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ عِنْدَ الْهَلَاكِ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَتْ إحْدَاهُمَا لَا يَدْرِي مَا يُسْقِطُ مِنْ الدَّيْنِ بِأَدَاءِ عَشَرَةٍ أَوْ عِشْرِينَ فَيَتَنَازَعَانِ فِي ذَهَابِ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهَا فَلَوْ بَيَّنَ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدَّيْنِ انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ، وَفِي الْمُنْتَقَى.

وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُك النَّخْلَ بِأُصُولِهِ جَازَ إذَا سَمَّى بِأُصُولِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ بِأُصُولِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إلَّا بِأُصُولِهِ فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِهِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ عِنْدَ رَجُلٍ جَارِيَةٌ لَهَا زَوْجٌ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الرِّقِّ وَالْمَالِيَّةِ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ غَشَيَانِهَا؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهَا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ الزَّوْجِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَنَافِعِ الْبُضْعِ فَحَقُّ الزَّوْجِ فِيهَا لَا يُفْسِدُ الرَّهْنَ، فَإِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ سَقَطَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ الزَّوْجِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ فَأَشْبَهَ الْمَوْتَ مِنْ الْمَرَضِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ رَهَنَ جَارِيَةً لَا زَوْجَ لَهَا فَزَوَّجَهَا الرَّاهِنُ بِرِضَى الْمُرْتَهِنِ فَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ جَازَ النِّكَاحُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهَا وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ غَشَيَانِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُعْقَدْ بِرِضَاهُ وَثُبُوتُ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ سَابِقٌ عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ فَإِنْ غَشِيَهَا فَالْمَهْرُ رَهْنٌ مَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَغْشَهَا لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ رَهْنًا مَعَهَا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَطْءِ، فَإِنْ مَاتَتْ مِنْ غَشَيَانِهَا، فَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الزَّوْجَ، فَإِنْ ضَمِنَ الزَّوْجُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ كَتَمَ الرَّهْنَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَتَمَهُ عَنْهُ لَا يَرْجِعُ.

ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ، ثُمَّ رَهَنَهَا الْمَوْلَى فَالرَّهْنُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ فَنَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَهَنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَالْحَمْلُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْوِلَادَةِ وَالْوِلَادَةُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ النُّقْصَانِ عَادَةً فَهَذَا النُّقْصَانُ حَصَلَ بِسَبَبٍ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دِينَارٌ فَدَفَعَ إلَيْهِ دِينَارَيْنِ، فَقَالَ خُذْ أَحَدَهُمَا قَضَاءً يَكُونُ لَك فَضَاعَا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مُؤْتَمَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الِاقْتِضَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْضُ الْمَجْهُولِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَلَوْ قَالَ آخُذُهُمَا قَضَاءً لَك كَانَ قَبْضًا لَهُ بِدَيْنِهِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الرَّهْنَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بِالْأَمَانَاتِ وَبِالدَّرَكِ وَبِالْمَبِيعِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا بِالْأَمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ فَلِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِمَا رَهَنَ بِهِ لِكَوْنِهِ اسْتِيفَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانِ الْمَرْهُونِ لِيَقَعَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا وَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَالْأَمَانَاتُ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ عَيْنِهَا حَالَ بَقَائِهَا وَعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخَلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>