للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَقَدَّرُ إذْ الْوَاجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ وَالْعَيْنُ مَخْلَصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَلِلْقِيمَةِ فِيهَا شُبْهَةُ الْوُجُوبِ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ فَيَكُونُ رَهْنًا بِمَا تَعَذَّرَ وُجُوبُهُ وَسَبَبُهُ. وَأَمَّا الدَّرَكُ فَلِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَلَا اسْتِيفَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الدَّرَكِ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ فَمَا لَا يُسْتَحَقُّ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يُحْكَمَ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَيُفْسَخَ الْبَيْعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجِيزَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِهِ حَيْثُ تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ وَالْتِزَامُ الْأَفْعَالِ مُعَلَّقًا أَوْ مُضَافًا إلَى الْمَالِ جَائِزٌ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ، فَإِنَّهُ اسْتِيفَاءٌ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا وَالتَّمْلِيكَاتُ بِأَسْرِهَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا وَلَا إضَافَتُهَا فَافْتَرَقَا.

وَلَوْ قُبِضَ الرَّهْنُ بِالدَّرَكِ قَبْلَ الْوُجُوبِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ حِينَئِذٍ فَوَقَعَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا بِأَلْفٍ لِتُقْرِضَنِي وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ يَهْلِكُ مَا سَمَّى مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ بَلْ جَعَلَ مَوْجُودًا اقْتِضَاءً؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ بَلْ يَتْلُوهُ وَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ الْوُجُودِ لِيَكُونَ الِاسْتِيفَاءُ مُتَسَبِّبًا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الرَّهْنِ الَّذِي يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِمَّا سَمَّى وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ إذَا سَمَّى قَدْرَ الْمَوْعُودِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ قَدْرَهُ بِأَنْ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يُعْطِي الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ أَقْرِضْنِي وَخُذْ هَذَا رَهْنًا، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَهَلَكَ يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْقَابِضِ جَمِيعُ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَغْصُوبِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِغَيْرِهِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ فَيَكُونُ مُقَدَّرًا بِهِ. وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَةُ الرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ.

وَأَمَّا بِالْمَبِيعِ فَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ حَتَّى إذَا هَلَكَ ذَهَبَ بِالثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا وَلَا يَجُوزُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمَبِيعِ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتِبَارُ الْبَاطِلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِدَيْنٍ، وَلَوْ مَوْعُودًا) وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَالِاسْتِيفَاءُ يَتَحَقَّقُ فِي الْوَاجِبِ وَهُوَ الدَّيْنُ، ثُمَّ وُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُوبُهُ حَقِيقَةً لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمَوْعُودِ هَلَكَ بِمَا يُسَمَّى مِنْ الْمَالِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الْقَرْضِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ أَخَذَ الرَّهْنَ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ كَذَا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ الْقَرْضُ اهـ.

قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ هَلَكَ بِمَا يُسَمِّي مِنْ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ هَذَا إذَا سَاوَى الرَّهْنُ الدَّيْنَ قِيمَةً وَإِنَّمَا أُطْلِقَ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ إذْ الظَّاهِرُ أَنْ يُسَاوِيَ الرَّهْنُ الدَّيْنَ اهـ.

وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ كَمَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا سَاوَى قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَلَا حَاجَةَ لِتَخْصِيصِهِ بِصُورَةِ الْمُسَاوَاةِ فَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ فِي الْبَيَانِ هَذَا إذَا سَاوَى قِيمَةَ الرَّهْنِ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الْقَرْضِ أَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَهْلِكُ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ إذَا فَسَدَ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَ هُنَا قَوْلَهُ حَيْثُ يَهْلِكُ بِمَا سَمَّى لَهُ مِنْ الدَّيْنِ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ الْغَالِبُ مِنْ كَوْنِ قِيمَةِ الرَّهْنِ مُسَاوِيَةً لِلدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَنَزَلَ خَانًا، فَقَالَ صَاحِبُ الْخَانِ لَا يَنْزِلُ هُنَا أَحَدٌ مَا لَمْ يُعْطِ شَيْئًا فَدَفَعَ إلَيْهِ ثِيَابَهُ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ إنْ رَهَنَهَا مِنْ قَبْلِ الْأُجْرَةِ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّهُ سَارِقًا فَخَشِيَ مِنْهُ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْخَانِ، كَذَا قَالَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَوْ رَهَنَ ثَوْبًا، فَقَالَ أَمْسِكْهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَهَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الثَّوْبِ إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الرَّهْنِ رَهْنُ دَابَّتَيْنِ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةً، وَقِيمَةُ إحْدَاهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>