حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَلَوْ صَلَّى وَمَعَهُ جَرْوُ كَلْبٍ أَوْ كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِسُؤْرِهِ قِيلَ لَمْ يَجُزْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَمُهُ مَفْتُوحًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُ يَسِيلُ فِي كُمِّهِ فَيَصِيرُ مُبْتَلًّا بِلُعَابِهِ فَيَتَنَجَّسُ كُمُّهُ فَيَمْنَعُ الْجَوَازَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَإِنْ كَانَ فَمُهُ مَشْدُودًا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ لُعَابُهُ إلَى ثَوْبِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٌ وَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَنَجَاسَةُ بَاطِنِهِ فِي مَعْدِنِهِ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُهَا كَنَجَاسَةِ بَاطِنِ الْمُصَلِّي وَلَوْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ قَارُورَةٌ مَضْمُومَةٌ فِيهَا بَوْلٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهِ وَمَكَانِهِ وَلَوْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ بَيْضَةٌ مَذِرَةٌ قَدْ صَارَ مُحُّهَا دَمًا جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْدِنِهِ وَالشَّيْءُ مَا دَامَ فِي مَعْدِنِهِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ الْكُلُّ فِي الْمُحِيطِ وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ مَوْضِعَ الْقَدَمِ وَالسُّجُودِ فَقَطْ
أَمَّا طَهَارَةُ مَوْضِعِ الْقَدَمِ فَبِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ بِشَرْطِ أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى النَّجَاسَةِ، أَمَّا إنْ رَفَعَ الْقَدَمَ الَّتِي مَوْضِعُهَا نَجَسٌ وَصَلَّى جَازَ، وَأَمَّا طَهَارَةُ مَوْضِعِ السُّجُودِ فَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَحِذَاءَ إبْطَيْهِ وَصَدْرِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى النَّجَاسَةِ كَلَا وَضْعَ وَالسُّجُودُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى مَكَان طَاهِرٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا سَجَدَ تَقَعُ ثِيَابُهُ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ وَلَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ وَعَلَى طَرَفٍ مِنْهُ نَجَاسَةٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَهُوَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ لَا تَمْنَعُ فِي مَوْضِعِ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ فَهَهُنَا أَوْلَى، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ بَسَطَ بِسَاطًا رَقِيقًا عَلَى الْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَصَلَّى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْبِسَاطُ بِحَالٍ يَصْلُحُ سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَتْ رَطْبَةً فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا وَصَلَّى إنْ كَانَ ثَوْبًا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ عَرْضِهِ ثَوْبًا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ أَلْقَى عَلَيْهَا لِبَدًا فَصَلَّى عَلَيْهِ يَجُوزُ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُلْقِيَ عَلَى هَذَا الطَّرَفِ الطَّرَفَ الْآخَرَ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ يَابِسَةً جَازَتْ يَعْنِي إذَا كَانَ يَصْلُحُ سَاتِرًا. اهـ.
وَلَوْ صَلَّى عَلَى مَا لَهُ بِطَانَةٌ مُتَنَجِّسَةٌ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى مَا يَلِي مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ مِنْ الطَّهَارَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ جَوَابُ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ الْمِضْرَبِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ ثَوْبَيْنِ وَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمِضْرَبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا، قَالَ فِي التَّجْنِيس وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِضْرَبَ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَلَوْ قَامَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ أَوْ جَوْرَبَانِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ وَلَوْ افْتَرَشَ نَعْلَيْهِ وَقَامَ عَلَيْهِمَا جَازَتْ الصَّلَاةُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَسَطَ الثَّوْبَ الطَّاهِرَ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ جَازَ، وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كِتَابِ التَّحَرِّي يَجُوزُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاجْتِنَابُ وَذَكَرَ فِي الْبُغْيَةِ تَلْخِيصِ الْقُنْيَةِ خِلَافًا فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ إلَى أَنْ حَدَّثَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَخَالَفَ فِيهِ كَالْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] أَيْ مَحِلِّهَا وَالْمُرَادُ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إطْلَاقًا، لِاسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحِلِّ فِي الْأَوَّلِ وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِي وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» أَيْ الْبَالِغَةِ سُمِّيَتْ حَائِضًا؛ لِأَنَّهَا بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَائِضِ يُخْرِجُ الَّتِي دُونَ الْبُلُوغِ لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ مُرَاهِقَةٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَكَانِ بِمَا ذُكِرَ بَلْ الظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ فَقَدْ اخْتَارَ الْفَقِيهُ خِلَافَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِإِطْلَاقِ عَامَّةِ الْمُتُونِ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ أَوْ الْيَدَيْنِ يَعْنِي تُجْمَعُ وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ الْعُضْوَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَهَذَا كَمَا لَوْ صَلَّى رَافِعًا إحْدَى قَدَمَيْهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ وَضَعَ الْقَدَمَ عَلَى النَّجَاسَةِ لَا تَجُوزُ وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ. اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ مَكَانِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ إذَا لَمْ يَضَعْهُمَا، أَمَّا إنْ وَضَعَهُمَا اُشْتُرِطَتْ فَلْيُحْفَظْ هَذَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقُولُ: لَوْ خَرَجَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى رَأْيِ الْفَقِيهِ لَكَانَ أَظْهَرَ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.
هَذَا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَا نَصُّهُ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَوْضِعَ الْكَفَّيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ فِي الْعُيُونِ هَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ رُكْبَتَيْهِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ. اهـ.
وَنَقَلَ شَارِحُهَا الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ السَّابِقَةَ ثُمَّ قَالَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَالْقَدَمَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُضْوِ بِالنَّجَاسَةِ بِمَنْزِلَةِ حَمْلِهَا وَإِنْ كَانَ وَضْعُ ذَلِكَ الْعُضْوِ لَيْسَ بِفَرْضٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: سَاتِرُ الْعَوْرَةِ) أَيْ بِأَنْ لَا يَصِفَ مَا تَحْتَهُ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَيْ مَحِلُّهَا) الضَّمِيرُ لِلزِّينَةِ وَمَحِلُّهَا الثَّوْبُ السَّاتِرُ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى بَيَانِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٢٩] فَعَلَى الْأَوَّلِ أَطْلَقَ اسْمَ الْحَالِّ وَهُوَ الزِّينَةُ وَأُرِيدَ