صَلَّتْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ عُرْيَانَةً تُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ وَإِنْ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَصَلَاتُهَا تَامَّةٌ اسْتِحْسَانًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُصَلِّي حَائِضٌ بِغَيْرِ قِنَاعٍ» فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْحَائِضِ وَلِأَنَّ سَتْرَ عَوْرَةِ الرَّأْسِ لَمَّا سَقَطَ بِعُذْرِ الرِّقِّ فَبِعُذْرِ الصِّبَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا الْخِطَابُ بِالْفَرَائِضِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الشَّرَائِطِ لَا يَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا. اهـ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ سُمِّيَتْ الْعَوْرَةُ عَوْرَةً لِقُبْحِ ظُهُورِهَا وَلِغَضِّ الْأَبْصَارِ عَنْهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَوَرِ وَهُوَ النَّقْصُ وَالْعَيْبُ وَالْقُبْحُ وَمِنْهُ عَوَرُ الْعَيْنِ وَالْكَلِمَةُ الْعَوْرَاءُ الْقَبِيحَةُ أُطْلِقَ فِيمَا يَسْتُرُ بِهِ فَشَمِلَ مَا يُبَاحُ لُبْسُهُ وَمَا لَا يُبَاحُ فَلَوْ سَتَرَهَا بِثَوْبِ حَرِيرٍ وَصَلَّى صَحَّتْ وَأَثِمَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يُصَلِّي فِيهِ لَا عُرْيَانًا وَحَدُّ السَّتْرِ أَنْ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ حَتَّى لَوْ سَتَرَهَا بِثَوْبٍ رَقِيقٍ يَصِفُ مَا تَحْتَهُ لَا يَجُوزُ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ عُرْيَانًا وَلَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ السِّتْرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعِبَادِ وَإِنْ كَانَ مُرَاعًى فِي الْجُمْلَةِ بِسَبَبِ اسْتِتَارِهِ عَنْهُمْ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ السِّتْرُ لَا يُحْجَبُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَرَى الْمَسْتُورَ كَمَا يَرَى الْمَكْشُوفَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَرَى الْمَكْشُوفَ تَارِكًا لِلْأَدَبِ وَالْمَسْتُورَ مُتَأَدِّبًا وَهَذَا الْأَدَبُ وَاجِبٌ مُرَاعَاتُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ صَلَّى فِي الْمَاءِ عُرْيَانًا إنْ كَانَ كَدِرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ صَافِيًا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ عَوْرَتِهِ لَا تَصِحُّ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَصُورَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ الصَّلَاةُ عَلَى جِنَازَةٍ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ التَّصْوِيرُ وَأَرَادَ بِسِتْرِهَا السِّتْرَ عَنْ غَيْرِهِ لَا عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ رَأَى فَرْجَهُ مِنْ زِيَقَةٍ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا صَلَّى فِي قَمِيصٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إزْرَارٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزُرَّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ «سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصَلِّي فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ فَقَالَ زُرَّهُ عَلَيْك وَلَوْ بِشَوْكَةٍ» وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَعِمَامَةٍ وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ وَاحِدٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ مِنْ أَسْفَلَ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَانِبِهِ وَأَعْلَاهُ وَلِذَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمَنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ فَلَوْ نَظَرَ إنْسَانٌ مِنْ تَحْتِهِ رَأَى عَوْرَتَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَاعْلَمْ أَنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا إلَّا فِي مَوَاضِعَ وَفِي الْخَلْوَةِ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ إذَا لَمْ يَكُنْ الِانْكِشَافُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ مِنْ تَحْتِ سُتْرَتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) أَيْ مَا بَيْنَهُمَا فَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ فَالْغَايَةُ هُنَا لَمْ
ــ
[منحة الخالق]
الْمَحَلُّ وَهُوَ السَّاتِرُ وَعَلَى الثَّانِي بِالْعَكْسِ أَيْ أَطْلَقَ اسْمَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَسْجِدُ وَأُرِيدَ الْحَالُّ وَهُوَ الصَّلَاةُ فَإِنَّ السِّتْرَ لَا يَجِبُ لِعَيْنِ الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الطَّوَافِ عُرْيَانًا فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ سِتْرَةَ الصَّلَاةِ لَا لِأَجْلِ النَّاسِ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْأَسْوَاقِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ فَلَوْ كَانَ لِلنَّاسِ لَقَالَ عِنْدَ كُلِّ سُوقٍ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ قَالَ: لِأَنَّ الثَّوْبَ سَبَبُ الزِّينَةِ وَمَحَلُّ الزِّينَةِ الشَّخْصُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ التَّصْوِيرُ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّافِي وَغَيْرِهِ يُؤَذِّنُ بِأَنَّ لَهُ ثَوْبًا إذْ الْعَادِمُ لَهُ يَسْتَوِي فِي حَقِّهِ الصَّافِي وَغَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيمَاءُ لِلْفَرْضِ. اهـ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلِي فِي الْكَلَامَيْنِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ تَصْوِيرِ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَدَنِهِ شَيْءٌ إذَا سَدَّ مَنَافِذَهُ بَلْ مَا يَفْعَلُهُ الْغَطَّاسُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْغَرِيقِ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزُرَّهُ يُفِيدُ الْوُجُوبَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَالَ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالدَّلِيلُ يُسَاعِدُهُ وَهُوَ أَنَّ السِّتْرَ وَجَبَ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ ذَاتِهَا لَا لِخَوْفِ رُؤْيَةِ الْعَوْرَةِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ نَظَرَ لَرَأَى بِلَا تَكَلُّفٍ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَهُوَ السِّتْرُ، وَلِذَا لَوْ صَلَّى عُرْيَانًا فِي الظُّلْمَةِ بِلَا عُذْرٍ لَا تَجُوزُ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ لِخَوْفِ الرُّؤْيَةِ لَجَازَتْ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا فَرْضُ السِّتْرِ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي هُوَ الَّذِي بِحَيْثُ لَوْ نَظَرَ لَرَأَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ دُونَ الْفَسَادِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ دُونَ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُمَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ مِنْ تَحْتِ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ هُوَ مَا تَحْتَ الْخَطِّ الَّذِي يَمُرُّ بِالسُّرَّةِ وَيَدُورُ عَلَى مُحِيطِ بَدَنِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ بُعْدُهُ عَنْ مَوْقِعِهِ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ عَلَى السَّوَاءِ. اهـ.
وَأَمَّا الرُّكْبَةُ فَسَيَأْتِي أَنَّهَا مُلْتَقَى عَظْمِ السَّاقِ وَالْفَخِذِ وَفِي حَوَاشِي الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ الشَّافِعِيُّ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا تَحْدِيدَ الرُّكْبَةِ وَعَرَّفَهَا فِي الْقَامُوسِ بِأَنَّهَا مَوَاصِلُ مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْفَخِذِ وَأَعَالِي السَّاقِ قَالَ وَصَرِيحُ مَا يَأْتِي فِي الثَّامِنِ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ الْمُنْحَدِرِ عَنْ آخِرِ الْفَخِذِ إلَى أَوَّلِ أَعْلَى السَّاقِ وَعَلَيْهِ فَكَأَنَّهُمْ اعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ الْعُرْفَ لِبُعْدِ تَقْيِيدِ الْأَحْكَامِ بِحَدِّهَا اللُّغَوِيِّ لِقِلَّتِهِ جِدًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْمَوْصِلِ مَا قَرَّرْنَاهُ وَهُوَ قَرِيبٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي الصِّحَاحِ قَالَ وَالرُّكْبَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute