تَدْخُلْ تَحْتَ الْمُغَيَّا لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ «مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» وَلِرِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ «مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» وَلِرِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «الْفَخِذُ عَوْرَةٌ» ، وَأَمَّا انْكِشَافُ فَخِذِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ فَلَمْ يَكُنْ قَصْدًا، وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمَيْ السَّاقِ وَالْفَخِذِ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ فَاجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ فَغَلَبَ الْمُحَرِّمُ احْتِيَاطًا كَذَا قَالُوا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ السُّرَّةُ عَوْرَةً كَمَا هُوَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ تَعَارَضَ فِي السُّرَّةِ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحَرِّمًا لِدَلِيلٍ اقْتَضَاهُ وَهُوَ مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ «قَالَ كُنْت أَمْشِي مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ لِلْحَسَنِ اكْشِفْ لِي عَنْ بَطْنِك جُعِلْت فِدَاك حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُهُ قَالَ فَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ» كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ مِنْ السُّرَّةِ إلَى مَوْضِعِ نَبَاتِ شَعْرِ الْعَانَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِتَعَامُلِ الْعُمَّالِ فِي إبْدَاءِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عِنْدَ الِاتِّزَارِ وَفِي سِتْرِهِ نَوْعُ حَرَجٍ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ بِخِلَافِ النَّصِّ لَا يُعْتَبَرُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَحُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ حَتَّى لَوْ رَأَى رَجُلٌ غَيْرَهُ مَكْشُوفَ الرُّكْبَةِ يُنْكِرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَلَا يُنَازِعُهُ إنْ لَجَّ وَإِنْ رَآهُ مَكْشُوفَ الْفَخِذِ يُنْكِرُ عَلَيْهِ بِعُنْفٍ وَلَا يَضْرِبُهُ إنْ لَجَّ وَإِنْ رَآهُ مَكْشُوفَ السَّوْأَةِ أَمَرَهُ بِسِتْرِ الْعَوْرَةِ وَأَدَّبَهُ عَلَى ذَلِكَ إنْ لَجَّ. اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ التَّعْزِيرَ بِالضَّرْبِ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَيِّدُهُ بِالْقَاضِي وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ.
(قَوْلُهُ: وَبَدَنُ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا وَإِنْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَسَّرَهُ بِالثِّيَابِ كَمَا رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى الْمُحْرِمَةَ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ» وَلَوْ كَانَا عَوْرَةً لَمَا حَرُمَ سِتْرُهُمَا
وَلِأَنَّ
الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِ الْوَجْهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِلَى إبْرَازِ الْكَفِّ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ عَوْرَةً وَعَبَّرَ بِالْكَفِّ دُونَ الْيَدِ كَمَا وَقَعَ فِي الْمُحِيطِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْبَاطِنِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي مُخْتَلِفَاتِ قَاضِي خان ظَاهِرُ الْكَفِّ وَبَاطِنُهُ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ إلَى الرُّسْغِ وَرَجَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ قَتَادَةَ مَرْفُوعًا «أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إلَى الْمِفْصَلِ» وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ إخْرَاجَ الْكَفِّ عَنْ كَوْنِهِ عَوْرَةً مَعْلُولٌ بِالِابْتِلَاءِ بِالْإِبْدَاءِ إذْ كَوْنُهُ عَوْرَةً مَعَ هَذَا الِابْتِلَاءِ مُوجِبٌ لِلْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَهَذَا الِابْتِلَاءُ كَمَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي بَاطِنِ الْكَفِّ مُتَحَقِّقٌ فِي ظَاهِرِهِ. اهـ.
وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَلِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الذِّرَاعَ عَوْرَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَاخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى كَشْفِهِ لِلْخِدْمَةِ وَلِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَهُوَ السِّوَارُ وَصُحِّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ لَا خَارِجَهَا وَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْمُتُونِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ فَحِلُّ النَّظَرِ مَنُوطٌ بِعَدَمِ خَشْيَةِ الشَّهْوَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَوْرَةِ وَلِذَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَوَجْهِ الْأَمْرَدِ إذَا شَكَّ فِي الشَّهْوَةِ وَلَا عَوْرَةَ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ مِنْ كَشْفِ وَجْهِهَا بَيْنَ الرِّجَالِ فِي زَمَانِنَا لِلْفِتْنَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الشَّعْرَ الْمُتَرَسِّلَ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَأَمَّا غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ فَمَوْضُوعٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ الْقَدَمَ لِلِابْتِلَاءِ فِي إبْدَائِهِ خُصُوصًا الْفَقِيرَاتُ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَشَايِخِ
ــ
[منحة الخالق]
مَعْرُوفَةٌ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدَارَ فِيهَا عَلَى الْعُرْفِ وَالْكَلَامُ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَامُوسَ إنْ لَمْ تُحْمَلْ عِبَارَتُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ اعْتَمَدَ فِي حَدِّهِ لَهَا بِذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لَهُ الْخُرُوجُ عَنْ اللُّغَةِ إلَى غَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ التَّعْزِيرِ. اهـ.
وَاَلَّذِي فِي أَوَّلِ التَّعْزِيرِ وَالتَّعْزِيرُ ضَرْبٌ دُونَ الْحَدِّ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ لِأَنَّ هَذَا وَضْعٌ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ لِأَهْلِ اللُّغَةِ الْجَاهِلِينَ لِذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَهُوَ غَلَطٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ
(قَوْلُهُ: لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْبَاطِنِ) عَزَاهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْمُسْتَصْفَى ثُمَّ قَالَ وَاعْتُرِضَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكَفِّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ لُغَةً يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ وَلِهَذَا يُقَالُ ظَهْرُ الْكَفِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَفَّ عُرْفًا وَاسْتِعْمَالًا لَا يَتَنَاوَلُ ظَهْرَهُ. اهـ.
وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ الْحَقُّ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ عَدَمُ دُخُولِ الظَّاهِرِ وَمَنْ تَأَمَّلَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْكَفُّ يَتَنَاوَلُ ظَاهِرَهُ أَغْنَاهُ عَنْ تَوْجِيهِ الدَّفْعِ إذْ إضَافَةُ الظَّاهِرِ إلَى مُسَمَّى الْكَفِّ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ. اهـ.
قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّبَادُرِ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَنْ تَأَمَّلَ إلَخْ فَقَدْ اعْتَرَضَهُ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّ هَذَا مَغْلَطَةٌ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الشَّيْءِ إلَيْهِ لَا تَقْتَضِي عَدَمَ دُخُولِهِ فِيهِ وَإِلَّا لَاقْتَضَتْ إضَافَةُ الرَّأْسِ إلَى زَيْدٍ عَدَمَ دُخُولِ الرَّأْسِ فِي مُسَمَّى