للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصُحِّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خان أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ

وَصَحَّحَ الْأَقْطَعُ وَقَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ عَلَى أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ والْمَرْغِينَانِيُّ وَصَحَّحَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَعَوْرَةٌ خَارِجَهَا وَرَجَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَوْنَهُ عَوْرَةً مُطْلَقًا بِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا إزَارٌ فَقَالَ إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِهَا عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَصَرَّحَ فِي النَّوَازِل بِأَنَّ نَغْمَةَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ تَعَلُّمَهَا الْقُرْآنَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَعَلُّمِهَا مِنْ الْأَعْمَى وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَهَا الرَّجُلُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي فَقَالَ وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قِيلَ إذَا جَهَرَتْ بِالْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ كَانَ مُتَّجَهًا. اهـ.

وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْأَشْبَهُ أَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَإِنَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّلْبِيَةِ وَلَعَلَّهُنَّ إنَّمَا مُنِعْنَ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّسْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ رَفْعِ صَوْتِهَا بِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ أَنْ يَكُونَ عَوْرَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الصَّغِيرَةُ جِدًّا لَا تَكُونُ عَوْرَةً وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَمِنْهَا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَأَمَّا عَوْرَةُ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ فَمَا دَامَا لَمْ يُشْتَهَيَا فَالْقُبُلُ وَالدُّبُرُ، ثُمَّ يَتَغَلَّظُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ يَكُونُ كَعَوْرَةِ الْبَالِغِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زَمَانٌ يُمْكِنُ بُلُوغُ الْمَرْأَةِ فِيهِ وَكُلُّ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا انْفَصَلَ مِنْهَا هَلْ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى رِيقِهَا وَدَمْعِهَا وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا الذَّكَرُ الْمَقْطُوعُ مِنْ الرَّجُلِ وَشَعْرُ عَانَتِهِ إذَا حَلَقَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَكَشْفُ رُبْعِ سَاقِهَا يَمْنَعُ وَكَذَا الشَّعْرُ وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ) ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الِانْكِشَافِ عَفْوٌ عِنْدَنَا لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ ثِيَابَ الْفُقَرَاءِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ خَرْقٍ كَالنَّجَاسَةِ الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ مُفْسِدٌ لِعَدَمِهَا فَاعْتُبِرَ الرُّبْعُ وَأُقِيمَ مُقَامَ الْكُلِّ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ شَبَهًا بِالْكُلِّ كَمَا فِي حَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِهِ الدَّمُ كَمَا لَوْ حَلَقَ كُلَّهُ

وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِمَسْحِ الرَّأْسِ فَفِيهِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ فِيهِ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الْبَعْضَ، أَمَّا فِي الْإِحْرَامِ فَالنَّصُّ تَنَاوَلَهُ كُلَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: ١٩٦] فَأُقِيمَ رُبْعُهُ مُقَامَ كُلِّهِ أَطْلَقَ فِي الشَّعْرِ فَشَمِلَ مَا عَلَى الرَّأْسِ وَالْمُسْتَرْسِلَ وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَأَرَادَ بِالْغَلِيظَةِ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ وَمَا حَوْلَهُمَا وَالْخَفِيفَةَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَنَصَّ عَلَى الْغَلِيظَةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْكَرْخِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْغَلِيظَةِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ قِيَاسًا عَلَى النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّغْلِيظَ فِي الْغَلِيظَةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الدُّبُرِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَالدُّبُرُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مَكْشُوفًا وَهُوَ تَنَاقُضٌ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ الْغَلِيظَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ مَعَ مَا حَوْلَهُمَا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ. اهـ.

وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِمَّا قِيلَ أَنَّ الْمَجْمُوعَ عُضْوٌ وَاحِدٌ بَلْ بَيَانُ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ كَيْفَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ عُضْوًا عَلَى حِدَتِهِ

ــ

[منحة الخالق]

زَيْدٍ وَكَمَا يُقَالُ ظَهْرُ الْكَفِّ كَذَلِكَ يُقَالُ بَاطِنُ الْكَفِّ. اهـ. وَهُوَ وَجِيهٌ.

(قَوْلُهُ: وَبُنِيَ عَلَيْهِ أَنَّ تَعَلُّمَهَا الْقُرْآنَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ تَدَافُعٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّعَلُّمِ أَنْ تَسْمَعَ مِنْهُ فَقَطْ لَكِنْ حِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ. اهـ.

أَقُولُ: التَّدَافُعُ مَدْفُوعٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَحَبُّ إلَى كَوْنِهِ مُخْتَارًا لِي وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَجْوِيزَ غَيْرِهِ بَلْ اخْتِيَارُهُ إيَّاهُ يَقْتَضِي عَدَمَ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالنَّغْمَةِ مَا فِيهِ تَمْطِيطٌ وَتَلْيِينٌ لَا مُجَرَّدُ الصَّوْتِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ كَلَامُهَا مَعَ الرِّجَالِ أَصْلًا لَا فِي بَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمَّا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مَظِنَّةَ حُصُولِ النَّغْمَةِ مَعَهَا مُنِعَتْ مِنْ تَعَلُّمِهَا مِنْ الرَّجُلِ وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْنَا مَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَنْ خَطِّ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي السَّمَاعِ وَلَا يَظُنُّ مَنْ لَا فِطْنَةَ عِنْدَهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا صَوْتُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ أَنَّا نُرِيدُ بِذَلِكَ كَلَامَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّا نُجِيزُ الْكَلَامَ مَعَ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ وَمُحَاوَرَتِهِنَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَلَا نُجِيزُ لَهُنَّ رَفْعَ أَصْوَاتِهِنَّ وَلَا تَمْطِيطَهَا وَلَا تَلْيِينَهَا وَتَقْطِيعَهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اسْتِمَالَةِ الرِّجَالِ إلَيْهِنَّ وَتَحْرِيكِ الشَّهَوَاتِ مِنْهُمْ وَمِنْ هَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُؤَذِّنَ الْمَرْأَةُ. اهـ.

وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْعَوْرَةَ رَفْعُ الصَّوْتِ الَّذِي لَا يَخْلُو غَالِبًا عَنْ النَّغْمَةِ لَا مُطْلَقِ الْكَلَامِ فَلَمَّا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ لَا تَخْلُو عَنْ ذَلِكَ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَغَلَّظُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَانَ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ السَّبْعِ؛ لِأَنَّهُمَا يُؤْمَرَانِ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَا هَذَا السِّنَّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَجِيبٌ)

<<  <  ج: ص:  >  >>