وَالْإِتْلَافِ ارْتَهَنَ مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَصِيرًا فَصَارَ خَمْرًا فَلِلْمُرْتَهِنِ تَخْلِيلُهَا وَتَكُونُ رَهْنًا وَيَبْطُلُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ يَعْنِي مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِقَذْفِ الزَّبَدِ؛ لِأَنَّ مِنْ التَّخْلِيلِ إحْيَاءَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَإِصْلَاحَ الْفَاسِدِ فَلَهُ ذَلِكَ وَفِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ التَّخْمِيرِ فَائِدَةٌ لِجَوَازِ التَّخْلِيلِ فَيَبْقَى كَالْعَصِيرِ إذَا تَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْبَيْعُ فَكَذَا هَذَا وَالدَّيْنُ يَسْقُطُ بِانْتِقَاصِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ احْتَبَسَ عِنْدَهُ بَعْضَ الرَّهْنِ وَلَا يَنْقُصُ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ السِّعْرُ وَقَيَّدْنَا بِذِكْرِ الْعَصِيرِ فِي الْمُسْلِمِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ كَافِرًا يَأْخُذُ الْخَمْرَ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَلِّلَهَا، فَإِنْ خَلَّلَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ خَلَّلَ وَرَجَعَ بِدَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا فَخَلَّلَهَا لَمْ يَضْمَنْ وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ لَا ضَرَرَ عَلَى الرَّاهِنِ فِي إبْقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ إلَى مَا بَعْدَ التَّخْمِيرِ بَلْ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ؛ لِأَنَّ مَالَهُ يَصِيرُ مُتَقَوِّمًا بِالتَّخْلِيلِ، وَلَمْ يَصِرْ الْمُرْتَهِنُ مُتْلِفًا لِمَا لَهُ بَلْ إضْرَارٌ بِالرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ رَغَائِبُ فِي الْخَمْرِ مَا لَيْسَ مِثْلَهَا فِي الْعَصِيرِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِكَوْنِ الْخَمْرِ رَهْنًا فَلَوْ بَقَّيْنَا عَقْدَ الرَّهْنِ بَعْدَ تَغْيِيرِ مِلْكِهِ فِي حَقِّهِ يُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ بِالْعَصِيرِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُوَ لَمْ يَعْقِدْ الرَّهْنَ عَلَى الْخَمْرِ وَإِنَّمَا عَقَدَ عَلَى الْعَصِيرِ فَلَا يَبْقَى الْعَقْدُ فَيَكُونُ لِلرَّاهِنِ أَخْذُ الْخَمْرِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ.
فَإِنْ خَلَّلَهَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْخَمْرَ بِالتَّخْلِيلِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِمَا بَيَّنَّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
رَهَنَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا وَأَخَذَهُ الرَّاهِنُ وَأَعْطَاهُ أُجْرَةَ الدِّبَاغَةِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ؛ لِأَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ فَلَا يَعُودُ جَائِزًا بِحُدُوثِ الْمَحَلِّيَّةِ مِنْ بَعْدُ كَمَا لَوْ رَهَنَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَصَارَتْ خَلًّا، فَإِذَا دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ بَقِيَ أَثَرُهُ فِي الْجِلْدِ فَيَكُونُ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الْجِلْدِ قِيمَةُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَنْ صَبَغَ ثَوْبَ إنْسَانٍ بِصَبْغِهِ فَصَاحِبُ الثَّوْبِ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ فَكَذَا هَذَا.
رَهَنَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَبْقَ رَهْنًا أَيْ لَمْ يَبْقَ مَضْمُونًا، فَإِنْ خَلَّلَهَا وَتَخَلَّلَتْ فَهِيَ رَهْنٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً لِمَعْنًى يُتَوَهَّمُ زَوَالُهُ، فَإِذَا زَالَ الْعَارِضُ بِأَنْ صَارَتْ خَلًّا يَكُونُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الرَّهْنِ فَائِدَةً وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةُ الْحَبْسِ لِلتَّخَلُّلِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَهَنَ شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَمَاتَتْ فَدَبَغَ جِلْدَهَا وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَعَذَّرُ بِالْهَلَاكِ، وَإِذَا أَحْيَا بَعْضَ الْمَحِلِّ يَعُودُ الْحُكْمُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدَبَغَ جِلْدَهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدَبَغَ جِلْدَهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَأَمَّا الرَّهْنُ فَيَتَعَذَّرُ بِالْهَلَاكِ.
وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَقُولُ بِعَوْدِ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ حَالَ الدِّبَاغِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمَيْنِ كَانَ الْجِلْدُ رَهْنًا بِدِرْهَمَيْنِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّقْوِيمِ وَأَنْ تُقَوَّمَ الشَّاةُ الْمَرْهُونَةُ غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ ثُمَّ تُقَوَّمَ مَسْلُوخَةً فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا هُوَ قِيمَةُ الْجِلْدِ هَذَا إذَا كَانَتْ الشَّاةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةً، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَكُونُ الْجِلْدُ أَيْضًا بَعْضُهُ أَمَانَةً بِحِسَابِهِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ قَالُوا هَذَا دَبَغَهُ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَإِنْ دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ حَبْسِهِ بِمَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ.
ثُمَّ قِيلَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ حَتَّى إذَا أَدَّى الرَّاهِنُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ أَخَذَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَبَسَهُ بِالدَّيْنِ الثَّانِي فَصَارَ بِهِ مَحْبُوسًا حُكْمًا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ حُكْمًا كَمَا إذَا رَهَنَهُ حَقِيقَةً بِأَنْ رَهَنَ الرَّهْنَ بِدَيْنٍ آخَرَ غَيْرِ مَا كَانَ مَحْبُوسًا بِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالثَّانِي فَكَذَا هَذَا، وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا هُوَ دُونَهُ كَالْمَبِيعِ بِأَلْفٍ إذَا بَاعَهُ ثَانِيًا مِنْهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ حَبْسَ الْجِلْدِ بِالْمِائَةِ الَّتِي اتَّصَلَتْ بِالْجِلْدِ بِحُكْمِ الدِّبَاغِ وَتِلْكَ الْمَالِيَّةُ تَبَعٌ لِلْجِلْدِ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ لَهُ وَالْوَصْفُ دَائِمًا يَتْبَعُ الْأَصْلَ فَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ رَهْنٌ بِمَا هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ بِتَبَعٍ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ فَيَكُونُ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ عِشْرِينَ وَالدَّيْنُ عَشَرَةً يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْجِلْدُ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَالْبَاقِي تِسْعَةَ عَشَرَ فَالْجِلْدُ رَهْنٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَةً وَالْجِلْدُ دِرْهَمًا وَاللَّحْمُ أَرْبَعَةً سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ أَرْبَعَةٌ وَبَقِيَ الْجِلْدُ رَهْنًا بِسِتَّةٍ؛ لِأَنَّ بِالْهَلَاكِ سَقَطَ خَمْسَةٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute