للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّيْنِ مِقْدَارُ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَبَقِيَ الدَّيْنُ خَمْسَةً، فَإِذَا دَفَعَ الْجِلْدَ فَقَدْ أَحْيَا خُمُسَ الرَّهْنِ فَعَادَ خُمُسُ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ بِإِزَائِهِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَسَقَطَ أَرْبَعَةٌ الَّتِي بِإِزَاءِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ التَّوَى عَنْ اللَّحْمِ وَكَانَ الْبَاقِي مِنْ الدَّيْنِ سِتَّةً فَصَارَ الْجِلْدُ مَرْهُونًا بِسِتَّةٍ مَضْمُونًا بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّاةِ مَرْهُونٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ مَضْمُونٌ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ فَكَذَا الْجِلْدُ هَذَا إذَا دُبِغَ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ.

فَإِنْ دُبِغَ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنُ الْحَبْسَ بِمَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَالْغَصْبِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْحَبْسَ بِدَيْنٍ آخَرَ حَادِثٍ هَلْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ فِي حَقِّ الْجِلْدِ وَيَصِيرُ الْجِلْدُ رَهْنًا بِمَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا رَهَنَ الرَّاهِنُ هَذِهِ الْعَيْنَ بِدَيْنٍ حَادِثٍ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَبْقَى الرَّهْنُ الْأَوَّلُ وَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِقِيمَةِ الدِّبَاغِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْتَكَّهُ مَا لَمْ يَرُدَّ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةِ الدِّبَاغِ. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَهَنَ أَجْنَبِيٌّ بِدَيْنٍ آخَرَ وَهُوَ أَلْفٌ عَبْدًا بِغَيْرِ أَمْر الْمَطْلُوبِ ثُمَّ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ رَهَنَهُ عَبْدًا آخَرَ بِغَيْرِ أَمْر الْمَطْلُوبِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْأَوَّلُ رَهْنٌ بِأَلْفٍ.

وَالثَّانِي رَهْنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَبَعٌ بِالرَّهْنِ وَلَا رَهْنَ بِالدَّيْنِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ. وَالثَّانِي رَهْنٌ وَبِالدَّيْنِ رَهْنٌ فَلَا يَصِيرُ رَهْنًا إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الرَّهْنَ، ثُمَّ وُجِدَ بَطَلَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نُقْصَانِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِبَاقِ صَارَ مَعِيبًا، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَى بَعْدَ الْإِبَاقِ بِمِثْلِ مَا يُشْتَرَى قَبْلَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْمَاءُ الرَّهْنُ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ لِلرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ رَهْنٌ مَعَ الْأَصْلِ) وَهُوَ تَبَعٌ لَهُ وَالرَّهْنُ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لَازِمٌ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَمْلِكُ بِهِ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْجَارِيَةِ حَيْثُ لَا يَسْرِي حُكْمُ الْجِنَايَةِ إلَى الْوَلَدِ وَلَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ حَتَّى يَنْفَرِدَ الْمَالِكُ بِإِبْطَالِهِ بِالْفِدَاءِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْكَفِيلَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ وَوَلَدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ حَقُّهُ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ وَفِي الْكَفَالَةِ الْحَقُّ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَالْوَلَدُ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الذِّمَّةِ، وَفِي الْغَصْبِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْوَلَدِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِيهِ تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَالتَّبَعِيَّةُ لَا تَجْرِي فِي الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَفِي الْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا الْمُسْتَحَقُّ لَهُ الْخِدْمَةُ وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْأُمِّ وَالْوَلَدُ غَيْرُ صَالِحٍ لَهَا قَبْلَ الِانْفِصَالِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا وَبَعْدَهُ لَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا أَيْضًا بَعْدَ أَنْ انْعَقَدَ غَيْرَ مُوجِبٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَهْلِكُ مَجَّانًا) أَيْ إذَا هَلَكَ النَّمَاءُ يَهْلِكُ مَجَّانًا بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْأَتْبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يَتَقَابَلُ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ فُكَّ بِحِصَّتِهِ) يَعْنِي إذَا هَلَكَ الْأَصْلُ وَهُوَ الرَّهْنُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ وَهُوَ الْوَلَدُ يُفْتَكُّ الْوَلَدُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِكَاكِ وَالنَّمَاءُ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِكَاكِ يَكُونُ لَهُ قِسْطٌ كَوَلَدِ الْمَبِيعِ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، ثُمَّ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْأُمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَقِيَ الْوَلَدُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَقِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ حِصَّةُ الْأَصْلِ وَفُكَّ النَّمَاءُ بِحِصَّتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ بِالْفِكَاكِ وَالْأُمُّ دَخَلَتْ فِي الضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِ اعْتِبَارِهِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ بَعْدَ هَلَاكِ أُمِّهِ قَبْلَ الْفِكَاكِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا عِنْدَ الْفِكَاكِ.

وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَكْلِ زَوَائِدِ الرَّهْنِ بِأَنْ قَالَ مَهْمَا زَادَ فَكُلْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وَهَذِهِ إبَاحَةٌ وَالْإِطْلَاقُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَالْخَطَرُ بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ، وَإِنْ لَمْ يُفْتَكَّ الرَّهْنُ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَكَلَهَا الْمُرْتَهِنُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْأَصْلِ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَلِفَتْ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ بِفِعْلِ الْمُرْتَهِنِ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ أَخَذَهُ وَأَتْلَفَهُ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الدَّيْنُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَالْمُحِيطِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ، وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فَصَارَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ أَوْ زَادَتْ فَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَالْوَلَدُ عَلَى حَالِهِ يُسَاوِي أَلْفًا فَالدَّيْنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يَتَغَيَّرُ عَمَّا كَانَ.

وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ عَلَى حَالِهَا وَانْتُقِصَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بِعَيْبٍ دَخَلَهُ أَوْ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فَصَارَتْ خَمْسَمِائَةٍ فَالدَّيْنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَانِ فِي الْأُمِّ وَالثُّلُثُ فِي الْوَلَدِ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>