للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُنْ فَهُوَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ وَبِهَذَا الِاخْتِصَارِ يُعْرَفُ تَفْسِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا اهـ.

أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَتْلَ خَطَأً مَخْصُوصًا بِمَا حَصَلَ بِسِلَاحٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ كَمَا يَكُونُ بِسِلَاحٍ يَكُونُ أَيْضًا بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ كَالْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ فَهُوَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ أَلْبَتَّةَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِخَطَإٍ مَحْضٍ أَيْضًا فَلَا يَتِمَّ الْحَصْرُ فِي الْقَتْلِ بِسَبَبٍ وَلَمَّا تَنَبَّهْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِمَا فِي وَجْهِ الْحَصْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ الْقُصُورِ، قَالَ فِي بَيَانِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ وَذَلِكَ أَنَّا اسْتَقْرَيْنَا فَوَجَدْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ أَحَدَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ، وَنَقَلَ مَا ذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ وَجْهِ الْحَصْرِ، فَقَالَ وَضَعْفُهُ وَرَكَاكَتُهُ ظَاهِرَانِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَبَيَانٍ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَتْلٌ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى ضَمَانِ الْقَتْلِ وَعَدَمِ ضَمَانِهِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا وَالْقَتْلِ رَجْمًا وَالْقَتْلِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ.

الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ، وَلَمْ يُرِدْ جِنْسَ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ يَمِينٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَمِينٌ بِالطَّلَاقِ وَيَمِينٌ بِالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى اهـ.

قَالَ قَاضِي خان أَقُولُ: فِيمَا قَالُوا نَظَرٌ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ بَلْ يَدْخُلُ كُلٌّ مِنْ ذَلِكَ فِي وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْجُهِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا أَوْ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ يَكُونُ قَتْلًا عَمْدًا إنْ تَعَمَّدَ الْقَاتِلُ ضَرْبَ الْمَقْتُولِ بِسِلَاحٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ، وَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ إنْ تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ وَيَكُونُ خَطَأً إنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ التَّعَمُّدِ بَلْ كَانَ بِطَرِيقِ الْخَطَإِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا تَكُونُ تِلْكَ الْأَنْوَاعُ الْمُبَاحَةُ مِنْ الْقَتْلِ خَارِجَةً عَنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِهَذِهِ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ فَلَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِأَنَّ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ، وَإِنْ قُلْتُ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ خُرُوجُ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ مِنْ الْأَحْكَامِ لِلْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ لِلْقَتْلِ إلَّا مِنْ نَفْسِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى شَيْءٍ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا وُجُوبَ الْقَوَدِ مِنْ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ مَعَ أَنَّهُ لَهُ شُرُوطٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا كَوْنُ الْقَاتِلِ عَاقِلًا بَالِغًا إذْ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَصْلًا وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ جُزْءَ الْقَاتِلِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ عَمْدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ.

وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ الْأُمُّ وَلَدَهَا، وَكَذَا الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِلْكَ الْقَاتِلِ حَتَّى لَا يُقْتَلَ الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ، وَمِنْهَا كَوْنُ الْمَقْتُولِ مَعْصُومَ الدَّمِ مُطْلَقًا فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَلَا بِالْمُرْتَدِّ لِعَدَمِ الْعِصْمَة أَصْلًا وَلَا بِالْمُسْتَأْمِنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ مَا ثَبَتَتْ مُطْلَقَةً بَلْ مُؤَقَّتَةً إلَى غَايَةِ مَقَامِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلُّ مَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَكَذَا كَوْنُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ شَرْطًا لِتَرْتِيبِ كُلٍّ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرُوا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ لَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ انْتِفَاءَ شَرْطِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَهُوَ كَوْنُ الْقَتْلِ مَعْصُومَ الدَّمِ وَكَوْنُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَقْدَحُ فِي شَيْءٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْوَالٌ بِغَيْرِ حَقٍّ إذْ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا دُونَ أَحْوَالِ مُطْلَقِ الْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْجُهُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ تَتَنَاوَلُ كُلَّ ذَلِكَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُوجِبُ الْقَتْلِ عَمْدًا وَهُوَ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ وَنَحْوِهِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَالنَّارِ الْإِثْمُ وَالْقَوَدُ عَيْنًا) أَيْ الْقَتْلُ الْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُوجِبُ الْإِثْمَ وَالْقِصَاصُ مُتَعَيِّنٌ، قَالَ السِّغْنَاقِيُّ الْقَتْلُ فِعْلٌ يُضَافُ إلَى الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ.

وَفِي الْمُنْتَقَى ذَكَرَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْعَمْدُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَجُلٌ تَعَمَّدَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ بِالسَّيْفِ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَهُ وَأَبَانَ رَأْسَهُ فَهُوَ عَمْدٌ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ بِالسَّيْفِ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَ غَيْرَ مَا تَعَمَّدَ، وَفِي الْأَوَّلِ أَصَابَ مَا تَعَمَّدَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَ طَرَفِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَلَوْ رَمَى قَلَنْسُوَةً عَلَى رَأْسِهِ فَأَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَصَدَ ضَرْبَ الْقَلَنْسُوَةِ فَأَصَابَهُ السَّيْفُ فَهُوَ خَطَأٌ، وَلَوْ رَمَى رَجُلًا فَأَصَابَ حَائِطًا، ثُمَّ رَجَعَ السَّهْمُ فَأَصَابَ الرَّجُلَ فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إصَابَةِ الْحَائِطِ وَرُجُوعُ السَّهْمِ مَبْنِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>