للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَخَيَّرْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى سَقَطَتْ السِّنُّ السَّوْدَاءُ، وَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى صَحِيحَةٌ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَفِي الْكَافِي وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَالِعِ ثَنِيَّةٌ حِينَ قَلَعَ ثُمَّ نَبَتَتْ، فَلَا قِصَاصَ لَهُ وَلَهُ الْأَرْشُ، وَلَوْ قَلَعَ رَجُلٌ ثَنِيَّةَ رَجُلٍ وَثَنْيَةُ الْقَالِعِ مَقْلُوعَةٌ فَنَبَتَتْ ثَنِيَّتُهُ بَعْدَ الْقَلْعِ، فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلِلْمَقْلُوعِ ثَنِيَّتُهُ أَرْشُهَا، وَفِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا نَزَعَ سِنَّ إنْسَانٍ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ ضَمِينًا مِنْ النَّازِعِ ثُمَّ يُؤَجِّلَهُ سَنَةً مِنْ النَّزْعِ فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ، وَلَمْ تَنْبُتْ اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا ضَرَبَ إنْسَانٌ إنْسَانًا وَاسْوَدَّ السِّنُّ فَقَالَ الضَّارِبُ: إنَّمَا اسْوَدَّتْ مِنْ ضَرْبَةٍ حَدَثَتْ فِيهَا بَعْدَ ضَرْبَتِي فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ اسْتِحْسَانًا هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْمُنْتَقَى فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْجِنَايَاتِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَيْنِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الضَّارِبِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِنَايَاتِ إلَّا فِي السِّنِّ لِلْأَثَرِ.

وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ عَلَى وَجْهِ رَجُلٍ فَتَنَاثَرَتْ أَسْنَانُهُ كُلُّهَا قَالَ يَجِبُ لِكُلِّ سِنٍّ دِيَةٌ خَمْسُمِائَةٍ قَالَ الْفَقِيهُ إنْ كَانَتْ جُمْلَتُهَا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَإِنْ كَانَتْ أَسْنَانُهُ ثَلَاثِينَ فَعَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَلَوْ كَانَتْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، فَعَلَيْهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ فِي سِنِّ الرَّجُلِ خَمْسُمِائَةٍ وَفِي سِنِّ الْمَرْأَةِ نِصْفُ ذَلِكَ وَفِي الْفَتَاوَى أَمَرَهُ بِنَزْعِ سِنِّهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُك بِغَيْرِ هَذَا، فَإِنَّهُ قَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ فَأَرْشُ السِّنِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَأْمُورِ أَوْ فِي مَالِهِ لَا رِوَايَةَ فِي هَذَا وَفِي الْمُنْتَقَى قَالُوا وَلَيْسَ فِي نَفْسِ الْآدَمِيِّ شَيْءٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ دِيَتُهُ زَائِدَةٌ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ إلَّا الْأَسْنَانَ رَجُلَانِ قَامَا فِي اللَّعِبِ لِيَتَضَارَبَا بِالْوَكْزِ يَعْنِي (مَسَّهُ دَرَنٌ حابرل) فَرَكِبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَكَسَرَ سِنَّهُ فَعَلَى الضَّارِبِ الْقِصَاصُ وَلَكِنْ بِالشَّرَائِطِ الَّتِي قُلْنَا؛ لِأَنَّ هَذَا عَمْدٌ وَالْمَسْأَلَةُ كَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى عَلَى هَذَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (درن) فَوَكَزَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا، وَإِذَا قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ آخَرَ حَوْلًا فَمَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي الْكُبْرَى قَالَ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِذَا ضَرَبَ سِنَّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّ سِنُّ الرَّجُلِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَنَزَعَهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ تَمَامُ أَرْشِهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ خَمْسُمِائَةٍ وَعَلَى الثَّانِي حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِذَا نَزَعَ سِنَّ رَجُلٍ وَسِنُّ الثَّانِي سَوْدَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ أَوْ خَضْرَاءُ وَالنَّزْعُ كَانَ عَمْدًا يُخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ مِنْهُ.

وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ أَرْشَ سِنِّهِ خَمْسَمِائَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْيُوبُ سِنَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَلَا يُقْتَصُّ سِنُّهُ لِسِنِّهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ ضَرَبَ سِنَّ إنْسَانٍ فَاسْوَدَّتْ وَسِنُّ الْجَانِي سَوْدَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ أَوْ خَضْرَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ نَاقِصًا وَفِي الْكُبْرَى، وَلَوْ نَزَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَنَبِتْ نِصْفُهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ أَرْشِهَا، وَإِنْ نَبَتَتْ صَفْرَاءَ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ: لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَبِمَوْضُوعِ صَاحِبِ الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَنْبَنِي عَنْ الْمُسَاوَاةِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهَا فِي غَيْرِ السِّنِّ، وَاخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي السِّنِّ هَلْ هُوَ عَظْمٌ أَوْ طَرَفُ عَصَبٍ يَابِسٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ عَظْمٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ وَيَنْمُو بَعْدَ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَيَلِينُ بِالْخَلِّ فَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ سَائِرِ الْعِظَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَظْمٍ فَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ تَرَكَ السِّنَّ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الِاسْمِ؛ وَلِذَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ فِي الْحَدِيثِ وَلَئِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ عَظْمٌ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعِظَامِ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ مُمْكِنَةٌ بِأَنْ يُبْرَدَ بِالْمِبْرَدِ بِقَدْرِ مَا كُسِرَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ إنْ قُلِعَ سِنُّهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ فَلَرُبَّمَا تَفْسُدُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ وَعَبْدَيْنِ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِي الطَّرَفِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَقَوْله وَطَرَفُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ إلَى آخِرِهِ، فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَا وُجُودَ التَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ فِي الْأَطْرَافِ، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنْ الْمَعْقُولُ مِنْهُ مَنْعُ اسْتِيفَاءِ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ دُونَ الْعَكْسِ، فَإِنَّ الشَّلَّاءَ تُقْطَعُ بِالصَّحِيحَةِ، وَأَنْتُمْ لَا تَقْطَعُونَ يَدَ الْمَرْأَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ وَلَا يَدَ عَبْدٍ بِحُرٍّ.

وَالْجَوَابُ إنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّفَاوُتُ الْمَالِيُّ شَائِعًا مُطْلَقًا، وَالشَّلَلُ لَيْسَ مِنْهُ، فَيُعْتَبَرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ طَرَفَيْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>