للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتَقْسِيمِ الشَّارِعِ، وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فِيهَا بِالظَّنِّ، فَصَارَ شُبْهَةً مُنِعَ الْقِصَاصُ، فَإِنْ قِيلَ إنْ اسْتَقَامَ عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لَمْ يَسْتَقِمْ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِإِمْكَانِ تَسَاوِي قِيمَتِهِمَا بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّسَاوِيَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَالْمُمَاثَلَةِ الْمَشْرُوطَةِ شَرْعًا لَا تَثْبُتُ بِذَلِكَ كَالْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بِخِلَافِ طَرَفَيْ الْحُرَّيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا مُتَيَقَّنٌ بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ وَبِخِلَافِ الْأَنْفُسِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ} [المائدة: ٤٥] مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ النِّزَاعِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ قُلْنَا قَدْ خُصَّ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ.

وَالْمُسْتَأْمِنُ وَالْعَامُّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَخَصَّصْنَاهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ «قَطَعَ عَبْدٌ لِقَوْمٍ فُقَرَاءَ أُذُنَ عَبْدٍ لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْضِ بِالْقِصَاصِ» اهـ.

أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا:؟ فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ النَّصَّ الْعَامَّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ بِهِ يَكُونُ ذَلِكَ الْعَامُّ الْمُخَصَّصُ مِنْهُ الْبَعْضُ ظَنِّيًّا فِي الْبَاقِي فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ النَّصِّ الْعَامِّ شَيْءٌ مِمَّا هُوَ مَفْصُولٌ عَنْهُ غَيْرُ مَوْصُولٍ بِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظَنِّيًّا فِي الْبَاقِي بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَالَتِهِ الْأَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُخْرِجَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمِنِ مِنْ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ بِهَا فَتَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى قَطْعِيَّتِهَا الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَدْ مَرَّ مِنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ نَظِيرُ هَذَا النَّظَرِ فِي مَحَالِّهِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَلَا يُفِيدُ عَدَمَ جَرَيَانِهِ فِيمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَبَقِيَ الِاعْتِرَاضُ بِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ يَتِمَّ الْجَوَابُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَرَفُ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ سِيَّانِ) أَيْ مِثْلَانِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا لِلتَّسَاوِي فِي الْأَرْشِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجْرِي لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَصْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَطْعُ يَدٍ مِنْ نِصْفِ سَاعِدٍ وَجَائِفَةٍ بَرِئَ مِنْهَا وَلِسَانٍ وَذَكَرٍ إلَّا أَنْ تُقْطَعَ الْحَشَفَةُ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ كَسْرَ الْعَظْمِ وَيَتَعَذَّرُ التَّسَاوِي فِيهَا إذْ لَا ضَابِطَ لَهُ، وَفِي الْجَائِفَةِ الْبُرْءُ نَادِرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ الثَّانِي جَائِفَةً عَلَى وَجْهٍ يَبْرَأُ مِنْهُ، فَيَكُونُ إهْلَاكًا، فَلَا يَجُوزُ وَالذَّكَرُ وَاللِّسَانُ يَنْقَبِضَانِ وَيَنْبَسِطَانِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يُقْطَعَ مِنْ الْحَشَفَةِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ فَيُصَارُ إلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ مِنْ أَصْلِهِمَا يَجِبُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْعُضْوِ وَالرِّجْلَ مِنْ الْفَخِذِ فَعِنْدَهُمَا فِيهِ الدِّيَةُ، وَمَا فَوْقَ الْكَتِفِ وَالْقَدَمِ، فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَا فَوْقَ الْكَعْبِ وَالْقَدَمِ مَعَ الْأَصَابِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ دِيَةُ الْيَدِ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً فِي سَنَتَيْنِ ثُلُثَاهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَالْبَاقِي فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَإِذَا كَسَرَ يَدَ عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ رِجْلَهُ لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ شَيْءٌ.

وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدَةً وَفِي يَدِهِ مِثْلُهَا لَا قِصَاصَ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَقْطَعَيْنِ وَالْأَشَلَّيْنِ إنَّهُ لَا قِصَاصَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ مَقْطُوعُ الْإِبْهَامِ أَوْ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا إذَا قَطَعَ إنْسَانٌ يَدَهُ فَلَا قِصَاصَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَلَوْ كَسَرَ عَظْمًا مِنْ سَاعِدٍ أَوْ سَاقَ أَوْ غَيْرِهِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي ثَدْيِ الْمَرْأَةِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْكُتُبِ وَفِي كَسْرِ الصُّلْبِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ إنْ مَنَعَهُ عَنْ الْجِمَاعِ وَأَحْدَبَهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُحْدِبْهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْجِمَاعِ فَهَذَا عَلَى نَوْعَيْنِ: إمَّا أَنْ يَبْقَى لِلْجِرَاحَةِ أَثَرٌ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَلَمْ يَجِبْ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ، وَقَدْ مَرَّ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَذَا صَدْرُ الْمَرْأَةِ إذَا انْكَسَرَ وَانْقَطَعَ الْمَاءُ مِنْهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَفِي الصُّلْبِ إذَا دُقَّ لَكِنْ يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ وَصَارَ أَحْدَبَ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ عَادَ إلَى حَبْلِهِ وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَكِنْ فِيهِ أَثَرُ الضَّرْبِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرٌ فَلَا شَيْءَ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَفِي الذَّكَرِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ حُكُومَةُ عَدْلٍ سَوَاءٌ كَانَ يَتَحَرَّكُ أَوْ لَا يَقْدِرُ الْخَصِيُّ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ لَا يَقْدِرُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ ذَكَرُ الْعِنِّينِ.

وَأَمَّا ذَكَرُ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ إنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَذَكَرِ الْعِنِّينِ وَفِي التَّهْذِيبِ، وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَهُوَ مَا يَرَى الْقَاضِي بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْبَصِيرَةِ، وَقِيلَ يُقَوَّمُ إنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا مَجْبُوبًا وَغَيْرَهُ فَتَجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>