للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، وَالْحَقُّ عِنْدِي هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] لَا يُنَافِي مَا قَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَحْدَةِ فِي النَّفْسِ بَلْ فِيهِ مُجَرَّدُ مُقَابَلَةِ جِنْسِ النَّفْسِ بِجِنْسِ النَّفْسِ كَمَا تَرَى وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ أَنْ تُقْتَلَ النَّفْسُ بِمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ} [المائدة: ٤٥] وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا أَنَّهُ هَلْ تَحَقُّقُ الْمُمَاثَلَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْقِصَاصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ النَّفْسِ فِي جَانِبِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ.

وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَيْنَ الْيُمْنَى لَا تُقْتَصُّ بِالْعَيْنِ الْيُسْرَى وَكَذَا الْعَكْسُ مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: ٤٥] لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِهِ بَلْ إنَّمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَكَذَا هُنَا تَبَصَّرْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَرْدُ بِالْجَمْعِ اكْتِفَاءً) يَعْنِي إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً يُقْتَلُ بِهِمْ يَعْنِي إذَا حَضَرَ الْأَوْلِيَاءُ وَطَلَبُوا يُقْتَلُ بِهِمْ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ وَلَنَا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَيُقْتَلُ بِهِمْ لِحُصُولِ التَّمَاثُلِ، وَفِي الْحَاوِي قَتَلَ رَجُلٌ فَقِيلَ لَهُ لِمَ قَتَلْت فُلَانًا؟ فَقَالَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَكْتُوبًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ثُمَّ قَالَ آخَرُ لِمَ قَتَلْت غُلَامِي؟ ، فَقَالَ قَتَلْت عَدُوِّي يُقْتَلُ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ رَجُلَيْنِ يُقْتَصُّ بِهِمَا وَلَا يَغْرَمُ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ بِقَتْلِهِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عَدَمِ الْحَيَاةِ وَبِقَتْلِ الْوَاحِدِ حَصَلَ لَهُمَا إعْدَامُ الْحَيَاةِ مَعْنًى لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ غَائِبٌ كَانَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي إتْلَافِ كُلِّ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ لِمَكَانِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ قَدْ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَحَقُّ الْغَائِبِ لَمْ يَظْهَرْ وَصَارَ كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا حَضَرَ فَقَضَى لَهُ بِالْجَمِيعِ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ قَطَعَ الْيَدَيْنِ لَهُمَا فَقُطِعَ لِأَحَدِهِمَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلِلْآخَرِ دِيَةُ يَدِهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ بِالنَّفْسِ إذَا قُضِيَ لِأَحَدِهِمَا وَقَتَلَهُ لَمْ يَجِبْ لِلْآخَرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ حَقِّهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ يَكُونُ سَبَبًا لِقُصُورٍ فِي الْمَحَلِّ، فَإِنَّهُمَا إذَا اجْتَمَعَا وَاسْتَوْفَيَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ عَلَى الْكَمَالِ، فَلَا تَجِبُ مَعَهُ الدِّيَةُ، وَأَمَّا فِي الطَّرَفِ فَوَاتُ حَقِّهِ بِسَبَبِ قُصُورٍ فِي الْمَحَلِّ لَا يَضُرُّ عَنْ إيفَاءِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَجِبُ الضَّمَانُ، وَلَوْ عَفَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ بَطَلَ حَقُّهُ وَاقْتُصَّ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْعَفْوِ فَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِي الْكُلِّ.

وَإِنْ عَفَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ وَصَالَحَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ قَتَلَ وَقَطَعَ الْيَدَ مِنْ آخَرَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ فَلِلسَّاكِتِ دِيَةُ الْيَدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَا لِلسَّاكِتِ أَنْ يَقْطَعَ الْيَدَ عَلَى أَنَّ لَهُمَا حَقَّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي يَدٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتِيفَاءُ دِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا قِصَاصَ مَعَ وُجُودِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُلَاءَمَةِ وَانْعِدَامِ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُشَاجَرَةِ وَلَكِنَّهُ أَقْصَى مَا يَجِبُ لَهُمَا، وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى الْقَطْعِ وَأَخْذُ الدِّيَةِ بَيْنَهُمَا، فَصَارَ الْحَالُ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ، وَلَوْ أَخَذَ الدِّيَةَ عَنْ الْيَدِ ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا يَكُونُ لِلْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا قَبَضَا فَقَدْ مَلَكَاهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمُسْتَوْفَى أَنْ لَا يَبْقَى الْحَقُّ فِي الْيَدِ فَسَقَطَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ الْيَدِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، فَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ كُلِّ الْيَدِ بِدُونِ نَصِيبِ الْعَافِي فَبَطَلَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ فَامْتَنَعَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الدِّيَةُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا إذَا كَانَ خَطَأً، وَلَوْ أَخَذَا بِالدِّيَةِ كَفِيلًا ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْآخِرِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَوْقِيفٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ قُتِلَ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَقِيَّةِ) كَمَوْتِ الْقَاتِلِ حَتْفَ أَنْفِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَفِيهِ خِلَافُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا قَضَى الْآخَرَ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْطَعُ يَدُ رَجُلَيْنِ بِيَدٍ) مَعْنَاهُ إذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا أَخَذَ سِكِّينًا وَاحِدًا مِنْ جَانِبٍ وَأَمَرَّاهَا عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْقَطَعَتْ هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِالْأَنْفُسِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لَهَا، وَمُلْحَقَةٌ بِهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ، وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ حَتَّى الْتَقَتْ السِّكِّينَانِ فِي الْوَسَطِ وَبَانَتْ الْيَدُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمْرَارُ السِّلَاحِ عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ؛ لِأَنَّ مَا انْقَطَعَ بِقُوَّةِ أَحَدِهِمَا أَنْ يُقْطَعَ بِقُوَّةِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ الْكُلُّ بِالْبَعْضِ وَالِاثْنَيْنِ بِالْوَاحِدِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَّهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ الْآخَرِ بِخِلَافِ النَّفْسِ، فَإِنْ شَرَطَ فِيهِ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ لَا غَيْرُ وَفِي الطَّرَفِ يُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي النَّفْعِ وَالْقِيمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>