للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ وَالنَّفْسُ السَّالِمَةُ مِنْ الْعُيُوبِ تُقْتَلُ بِالْمَفْلُوجِ وَالْمَسْلُولِ، وَكَذَا الِاثْنَانِ بِالْوَاحِدِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفْسِ؛ وَلِأَنَّ زُهُوقَ الرَّوْحِ لَا يَتَجَزَّأُ فَأُضِيفَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ كُلًّا وَقَطْعُ الْعُضْوِ يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ الْبَعْضُ وَيُتْرَكَ الْبَاقِي وَفِي الْقَتْلِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ عَلَى قَفَاهُ وَالْآخَرُ عَلَى حَلْقِهِ حَتَّى الْتَقَتَا فِي الْوَسَطِ وَمَاتَ مِنْهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَفِي الْيَدِ لَا يَجِبُ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ الْإِجْمَاعِ غَالِبٌ مُخَالَفَةُ الْغَوْثِ لَا فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدَّمَاتٍ بَطِيئَةٍ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِسَبَبِهَا كَالنِّدَاءِ، وَيَقُولُ ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالِاجْتِمَاعُ عَلَى خِلَافَ الْقِيَاسِ وَالطَّرَفُ لَيْسَ مِثْلَهَا، فَلَا يَلْحَقُ بِهَا وَقَوْلُهُ رَجُلَانِ مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ قَالَ فِي التَّجْرِيدِ إذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَيْ رَجُلٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ وَكَذَا مَا زَادَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ وَبَرِئَ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ الثَّانِيَ أَيْضًا ثُمَّ اخْتَصَمَا إلَى الْقَاضِي فَالْقَاضِي يَقْضِي عَلَى الْقَاطِعِ بِالْقِصَاصِ فِي الْمَفْصِلِ الثَّانِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى، وَبَرِئَ ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ الْمَفْصِلَ الثَّانِيَ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ أُصْبُعُ الْقَاطِعِ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَسْفَلِ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَطَعَ الْمَفْصِلَيْنِ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْمَقْطُوعِ مَفْصِلَاهُ أَنْ يَقْطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ، وَلَوْ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى وَاقْتَصَّ مِنْ الْقَاطِعِ ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ الْمَفْصِلَ الثَّانِيَ وَبَرِئَ يَجِبُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ رَجُلَيْنِ مَقْطُوعَيْ الْأَصَابِعِ قَطَعَ أَحَدُهُمَا كَفَّ صَاحِبِهِ لَا يُقْطَعُ كَفُّ الْقَاطِعِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ مُمْكِنَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ لِإِمْكَانِهَا فَتَدَبَّرْهُ وَكَذَا إذَا كَانَ مَقْطُوعَ الْكَفِّ قَطَعَ أَحَدُهُمَا زَنْدَ صَاحِبِهِ لَا يُقْطَعُ زَنْدُ الْقَاطِعِ، وَلَوْ قَطَعَ مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ نِصْفَ مَفْصِلٍ وَكَسَرَ وَبَرِئَ ثُمَّ قَطَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَفْصِلِ وَبَرِئَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَلِحُلُولِ الْجِنَايَةِ فِي الْعَظْمِ، وَأَمَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي فَلِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ؛ لِأَنَّ أُصْبُعَ الْقَاطِعِ حَالَ مَا قَطَعَ الثَّانِي مِنْ الْمَفْصِلِ صَحِيحَةٌ وَالْأُصْبُعُ الْمَقْطُوعَةُ مِنْ نِصْفِ الْمَفْصِلِ نَاقِصَةٌ.

وَلَوْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمَفْصِلِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ قَطَعَ الْمَفْصِلَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ مِنْ رَجُلٍ وَعَادَ وَقَطَعَ الْكَفَّ إنْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي يَدٍ كَأَنَّهُ قَطَعَ الْكُلَّ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَصَابِعِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْكَفِّ وَكَذَا إذَا قَطَعَ حَشَفَةَ إنْسَانٍ خَطَأً ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ بَاقِيَ الذَّكَرِ إنْ كَانَ قَبْلَ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي الْحَشَفَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ فَقَبْلَ الْبُرْءِ قَطَعَ النِّصْفَ مِنْ الْمَفْصِلِ الثَّانِي ثُمَّ بَرِئَ الْقِصَاصُ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ قَطَعَ النِّصْفَ مِنْ الْمَفْصِلِ الثَّانِي وَهُنَاكَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بَلْ يَجِبُ الْأَرْشُ فَهَذَا ذَلِكَ، وَلَوْ بَرِئَ مِنْ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَطَعَ النِّصْفَ مِنْ الْمَفْصِلِ الثَّانِي يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَيَجِبُ نِصْفُ الْأَرْشِ فِي الثَّانِي.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَطَعَ آخَرُ كَفَّهُ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ مِرْفَقَهُ فَمَاتَ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَقِصَاصُ النَّفْسِ عَلَى الثَّانِي وَدِيَةُ الْقَاطِعِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَلَمْ يَتَخَلَّلْ الْبُرْءُ فَدِيَةُ النَّفْسِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ عَمْدًا ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ كَفَّهُ خَطَأً فَمَاتَ يُقْتَصُّ مِنْ قَاطِعِ الْأُصْبُعِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ دِيَةُ النَّفْسِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْتَصُّ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِذَا ضَرَبَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَشُلَّتْ الْيَدُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَفِي النَّوَازِلِ وَسُئِلَ شَدَّادٌ عَنْ رَجُلٍ قَطَعَ رَأْسَ أُصْبُعِ رَجُلٍ مِنْ مَفْصِلِهِ قَالَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، فَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ: لَيْسَ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ وَفِي الْعُيُونِ رَجُلٌ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ خَطَأً فَجَاءَ آخَرُ وَقَطَعَ كَفَّهُ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْهَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْطَعُ مِنْ الْكَفِّ وَعَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي قَطَعَ الْأُصْبُعَ دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَمَنْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ فَارْتَدَّ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْيَدِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ دِيَةُ الْيَدِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا فَمَاتَ تَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ لَا غَيْرُ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>