وَمَنْ قَطَعَ مِنْ رَجُلٍ يَدًا أَوْ رَجُلًا أَوْ أُصْبُعًا أَوْ أُنْمُلَةً مِنْ أُصْبُعٍ أَوْ مَا سِوَى ذَلِكَ مَفْصِلًا مِنْ الْمَفْصِلِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ بَعْدَ الْبُرْءِ مِنْ الْجِنَايَةِ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ آخَرَ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ وَالْمَقْطُوعُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كِتَابِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ كِتَابِيٌّ يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا أَوْ كَانَا امْرَأَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مُسْلِمَةٌ وَالْأُخْرَى كِتَابِيَّةٌ أَوْ كَانَتَا ذِمِّيَّتَيْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَبْدٌ وَالْآخَرُ حُرٌّ أَوْ أَحَدُهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرُ أُنْثَى فَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا وَالْأَرْشُ فِي مَالِهِ حَالًّا هَذَا كُلُّهُ بَيَانُ حُكْمِ الْعَمْدِ رَجَعْنَا إلَى بَيَانِ حُكْمِ الْخَطَأِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْيَدَيْنِ إذَا قُطِعَتَا خَطَأً الدِّيَةُ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَا تَفْضُلُ الْيَمِينُ عَلَى الشِّمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ أَكْثَرَ بَطْشًا مِنْ الشِّمَالِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجِنَايَاتِ لِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِلزِّيَادَةِ، وَفِي الْيَدِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ دِيَةُ الْيَدِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ فِيمَا وَرَاءَ الْكَفِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ رَوَى صَاحِبُ الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي السَّاعِدِ شَيْءٌ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَالثَّوْرِيِّ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْمِرْفَقِ أَوْ الْمَنْكِبِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْكَفِّ دِيَةُ الْيَدِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِيمَا وَرَاءَ الْكَفِّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَمَنْ تَابَعَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ لَا غَيْرُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ ثَلَاثَ أَصَابِعَ مِنْ كَفِّ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ أُصْبُعَيْنِ ثُمَّ شُلَّتْ الْكَفُّ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ دِيَةُ مَا قَطَعَ وَعَلَى الثَّانِي دِيَةُ مَا قُطِعَ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْكَفِّ بَعْدَ الْأَصَابِعِ فَهُوَ نِصْفَانِ فَمَا يُصِيبُ صَاحِبَ الْأَكْثَرِ دَخَلَ أَرْشُ الْأَقَلِّ فِي الْأَكْثَرِ، وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ إنْ كَانَ الْآخَرُ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ فَعَلَيْهِ خُمُسَا دِيَةٍ لِلْأَصْلِ، وَهُوَ عُشْرُ الدِّيَةِ وَفِي الْأُنْمُلَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَالظُّفْرُ إذَا نَبَتَ كَمَا كَانَ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ نَبَتَ عَلَى عَيْبٍ فَحُكُومَةٌ دُونَ الْأُولَى وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْعَضُدِ وَالرِّجْلَ مِنْ الْفَخِذِ فَعِنْدَهُمَا فِيهِ الدِّيَةُ وَمَا فَوْقَ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَا فَوْقَ الْكَعْبِ إلَى الْقَدَمِ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَإِذَا كَسَرَ يَدَ عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ رِجْلِهِ لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ شَيْءٌ وَفِي الْكَافِي، وَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ وَفِيهَا ثَلَاثُ أَصَابِعُ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ دِيَةِ الْيَدِ وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ بِالْإِجْمَاعِ وَقَاطِعُ يَدٍ لَا كَفَّ لَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي السَّاعِدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَا سَوَاءً اقْتَصَّ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَطَعَ كَفَّ رَجُلٍ، وَفِيهَا أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، وَفِي يَدِ الْقَاطِعِ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدًا فِي يَدِهِ مِثْلُهَا لَا قِصَاصَ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَقْطَعَيْنِ وَالْأَشَلَّيْنِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ مَقْطُوعُ الْإِبْهَامِ وَالْأُصْبُعِ كُلِّهَا إذَا قَطَعَ يَدَ أَشَلَّ فَلَا قِصَاصَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ قَطَعَ أَظَافِرَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَلَوْ كَسَرَ عَظْمًا مِنْ سَاعِدٍ أَوْ سَاقَ أَوْ تَرْقُوَةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَا دِيَتَهَا) أَيْ ضَمِنَ الْقَاطِعَانِ دِيَةَ الْمَقْطُوعِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبْعُ فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ) يَعْنِي إذْ حَضَرَا مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ قَطَعَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ يُقْطَعُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ أَرْشَ الْيَدِ لِلثَّانِي وَلَنَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا عِبْرَةَ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي الشَّرِكَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْيَدِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْقَطْعُ وَكَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُمَا عَبْدًا اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ، وَلَوْ كَانَ يَمْنَعُ بِالْأَوَّلِ لَمَا شَارَكَهُ الثَّانِي بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَثْبُتُ لِلثَّانِي بَعْدَمَا ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةٍ فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْأَوَّلُ بِثُبُوتِ حَقِّ الثَّانِي فِيهَا اسْتَوَيَا فِيهَا يُقْطَعُ لَهُمَا إذَا حَضَرَا مَعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيَقْضِي لَهُمَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ يَقْسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ حَيْثُ يَكْتَفِي فِيهِ بِالْقَتْلِ لَهُمَا وَلَا يَقْضِي لَهُمَا بِالدِّيَةِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْفَرْقِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَقَدَّمْنَا لَهُ مَزِيدَ بَيَانٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ فَقَطَعَ يَدَهُ لَهُ فَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute