للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَى وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَالْمَأْذُونُ فِي دَيْنٍ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ أَبْرَأ عَنْ نَصِيبِهِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا تَجُرُّ لِأَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي مِنْ الدَّيْنِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَبْرَأهُ عَنْ نَصِيبِهِ بَعْدَمَا قَبَضَا نَصِيبَهُمَا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا لَا يُثْبِتَانِ لِأَنْفُسِهِمَا حَقَّ الْمُشَارَكَةِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْبِضَا شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ.

وَلَوْ حَوَّلَا نَصِيبَهُمَا مَالًا، وَإِنَّمَا مَنَعَتْ ثُبُوتَ الْمُشَارَكَةِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَتَى قَبَضَا نَصِيبَهُمَا وَالشَّاهِدُ يَمْلِكُ الْمَنْعَ وَلَا يَمْلِكُ الْإِبْطَالَ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْعَفْوِ عَلَى الْخَطَأِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا اتْلَفَاهُ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَبْطَلَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دَيْنًا مُؤَجَّلًا فَيَضْمَنَانِ لِذَلِكَ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى وَلِيِّ الدَّمِ أَنَّهُ أَخَّرَ الْقَاتِلَ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ عَلَى جُعْلٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يَكُنْ عَفْوًا وَلَا مَالَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَقِّ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَهُ فَكَذَا تَأْجِيلُ الْقَتْلِ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَهُ وَالْمَالُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عِوَضًا عَنْ الْأَجَلِ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ الْأَجَلِ بَاطِلٌ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ الْجُعْلَ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ يَوْمًا كَانَ صُلْحًا؛ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ يَوْمًا وَالْعَفْوُ لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ فَصَحَّ الْعَفْوُ وَبَطَلَ التَّأْقِيتُ، وَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَأَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى اللَّيْلِ جَازَ الصُّلْحُ وَبَطَلَ التَّأْقِيتُ فَكَذَا هَذَا وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْعِدَةِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْإِخْبَارُ كَالرَّجُلِ يَقُولُ لِلْمَرْأَةِ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ فَهُوَ نِكَاحٌ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِيجَابَ فَكَذَا هَذَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ لَهُمْ أَثْلَاثًا) أَيْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ لَهُمَا إقْرَارٌ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ وَيَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ نَصِيبَ الْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ سَقَطَ بِعَفْوِهِ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ وَلِلْمُنْكِرِ ثُلُثُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) أَيْ إنْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ كَذَّبَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ فَلَا شَيْءَ لِلْوَلِيَّيْنِ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَيْهِ إقْرَارٌ بِبُطْلَانِ حَقِّهِمَا عَلَيْهِ فِي الْقِصَاصِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا.

وَإِنْ ادَّعَيَا انْقِلَابَهُمَا مَالًا فَلَا يُصَدَّقَا فِي دَعْوَاهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ، وَهُوَ يُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِمَا بِالْعَفْوِ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُمَا مَالًا، وَفِي النِّهَايَةِ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَجَعَلَ الضَّمِيرَ فَاعِلَ كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لَا الْقَاتِلُ قَالَ الشَّارِحُ: وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ الْقَاتِلِ ضَمِنَ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ لَهُ الثُّلُثُ، وَهُوَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْئًا بِدَعْوَاهُ الْعَفْوَ قُلْنَا ارْتَدَّ إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ إيَّاهُ فَوَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ هَذَا الثُّلُثُ لِلشَّاهِدَيْنِ لَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ عَفَا أَوْ لَا شَيْءَ لَهُ وَلِلشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثُ الدِّيَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَالُ الْقَاتِلِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِإِقْرَارِهِ لَهُمَا بِذَلِكَ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُقِرُّ لَهُ لَيْسَ ذَلِكَ لِي، وَإِنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ، فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إلَيْهِ فَكَذَا هُنَا، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْقَاتِلَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَاتِلِ لَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِهِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَفْوِ؛ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا لَهُ.

وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِتَكْذِيبِ الشَّاهِدَيْنِ قَدْ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا إذَا عَفَا وَالْمُقَرُّ لَهُ لَمْ يُكَذِّبْ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ فَجَعَلَ الْوَاجِبَ لِلشَّاهِدَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَيَّدَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الْوَاحِدِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ شَهَادَةَ الِاثْنَيْنِ بَاطِلَةٌ عُلِمَ بِبُطْلَانِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ الْفَرْدِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا شَهِدَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ وَنَذْكُرُ شَهَادَةَ الْفَرْدِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَهُ وَلِيَّانِ اثْنَانِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ عَفَا فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعَفْوِ أَوْ يَشْهَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعَفْوِ أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ صَاحِبُهُ، وَالْقَاتِلُ جَمِيعًا أَوْ كَذَّبَاهُ أَوْ كَذَّبَهُ صَاحِبُهُ وَصَدَّقَهُ الْقَاتِلُ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ أَوْ سَكَتَا جَمِيعًا، فَالْعَفْوُ وَاقِعٌ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مَتَى أَقَرَّ بِعَفْوِ صَاحِبِهِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي نَصِيبِهِ، وَإِذَا سَقَطَ يَسْقُطُ فِي نَصِيبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>