للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْتَبَرُ التَّسَبُّبُ مَعَهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَحْفِرُونَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآجِرِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ قَدْ صَحَّ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَنُقِلَ فِعْلُهُمْ إلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُمْ مَغْرُورُونَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ أَجِيرًا بِذَبْحِ هَذِهِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ لِكَوْنِهِ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ وَهُنَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَسَبِّبٌ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَعَدٍّ فَتَرَجَّحَ جَانِبُهُ، فَإِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآجِرِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَلَا غُرُورَ مِنْ جِهَتِهِ لِعِلْمِهِمْ بِذَلِكَ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ وَلَوْ قَالَ لَهُمْ هَذَا فِنَائِي وَلَيْسَ لِي حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ فَحَفَرُوا فَمَاتَ فِيهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَلَمْ يَغُرَّهُمْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فَكَانَ آمِرًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَذَا يُنْقَلُ إلَيْهِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِلْعَامَّةِ ضَمِنُوا سَوَاءٌ قَالَ لَهُمْ أَوْ لَا، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَجِيرًا لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فَحَفَرَ لَهُ الْأَجِيرُ وَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ وَمَاتَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَجِيرَ لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا مَعْرُوفًا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ سَوَاءٌ عَلِمَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ طَرِيقٌ غَيْرُ مَشْهُورٍ، فَإِنْ أَعْلَمَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ بِأَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا فَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلِمْ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ لَا عَلَى الْأَجِيرِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرُ الذَّبْحِ شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِ الْآمِرِ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ أَعْلَمَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ، الْوَجْهُ الثَّانِي إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي الْفِنَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَفِي الْفَتَاوَى وَالْخُلَاصَةِ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَبْنِيَ لَهُ أَوْ لِيُحْدِثَ لَهُ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ أَوْ يُخْرِجَ حَائِطًا فَمَا عَطِبَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْأَجِيرِ اسْتِحْسَانًا إلَّا إذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ لَبِنٌ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي سَقَطَ مِنْ يَدِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَجَاءَ آخَرُ وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ وَوَثَبَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَوَقَعَ فِيهِ وَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الْحَافِرُ شَيْئًا.

وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ جَاءَ بِقَوْمٍ إلَى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ احْفِرُوا لِي هُنَا بِئْرًا أَوْ قَالَ ابْنُوا لِي هُنَا وَلَمْ يَقُلْ غَيْرَهُ، فَإِنَّ ضَمَانَ مَا عَطِبَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْفَاعِلِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ مُطْلَقًا وَتَأْوِيلُهَا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّرِيقُ مَشْهُورًا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ عَقِيبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ جَاءَ لِقَوْمٍ وَقَالَ احْفِرُوا فِي هَذَا الطَّرِيقِ بِئْرًا وَلَمْ يَقُلْ لِي وَلَمْ يَقُلْ أَسْتَأْجِرُ عَلَى ذَلِكَ وَظَنُّوا أَنَّهُ الْآمِرُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَدْخَلَهُمْ دَارًا وَقَالَ لَهُمْ احْفِرُوا فِيهَا فَحَفَرُوا وَظَنُّوا أَنَّهَا دَارُ الْآمِرِ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَقُولَ إنْ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا فَحَفَرَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ عَلِمَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ أَمْ لَا.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِحَفْرِ بِئْرٍ فَوَقَعَتْ الْبِئْرُ عَلَيْهِمَا وَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْحُرِّ لَا فِي الْمُكَاتَبِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ، فَإِذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى وَرَثَةِ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبِ فَيَضْرِبُ وَرَثَةُ الْحُرِّ فِي قِيمَتِهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ وَوَرَثَةُ الْمُكَاتَبِ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ مَرَّةً فَيُسَلِّمُ لَهُ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ أَوْلِيَاءُ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْحُرِّ ثُلُثَ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُكَاتَبِ مِقْدَارُ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ بَيْنَ وَرَثَةِ الْحُرِّ وَالْمُسْتَأْجِرِ يَضْرِبُ وَرَثَةُ الْحُرِّ بِثُلُثِ دِيَتِهِ وَالْمُسْتَأْجِرُ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْعَبْدِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ ضَمِنَ) سَوَاءٌ تَلِفَ بِالْوُقُوعِ أَوْ بِالْعَثْرَةِ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَتَاعِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ مُبَاحٌ لَهُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ إلَى الْهَدَفِ أَوْ الصَّيْدِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ كَانَ رِدَاءً قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ لَا) أَيْ لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ رِدَاءً قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ لَا يَضْمَنُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْءِ الْمَحْمُولِ أَنَّ الْحَامِلَ يَقْصِدُ حِفْظَهُ فَلَا يَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَاللَّابِسُ يَقْصِدُ حِفْظَ مَا يَلْبَسُهُ فَيَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فَجُعِلَ فِي حَقِّهِ مُبَاحًا مُطْلَقًا وَعَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>