للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَمَّدٍ إذَا لَبِسَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَمَا لَا يُلْبَسُ عَادَةً كَاللِّبْدِ وَالْجُوَالِقِ وَالدِّرْعِ مِنْ الْحَدِيدِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى لُبْسِهِ وَسُقُوطُ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِهِمَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَسْجِدٌ لِعَشِيرَةٍ فَعَلَّقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قِنْدِيلًا أَوْ جَعَلَ فِيهَا بَوَارِي أَوْ حَصَاةً فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ ضَمِنَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا الْفَاعِلُ فَصَارَ كَأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَكَمَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَسْطَ الْحَصِيرِ وَتَعْلِيقَ الْقِنْدِيلِ مِنْ بَابِ التَّمْكِينِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَيَسْتَوِي فِيهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرُهُمْ وَلَهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَنَصْبِ الْإِمَامِ وَاخْتَارَ الْمُتَوَلِّي رَفْعَ بَابِهِ وَإِغْلَاقَهُ وَتَكْرَارَ الْجَمَاعَةِ حَتَّى لَا يَعْتَدَّ بِمَنْ سَبَقَهُمْ فِي حَقِّ الْكَرَاهَةِ وَبَعْدَهُمْ يُكْرَهُ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ مُقَيَّدٌ بِهَا وَقَضِيَّةُ الْقُرْبَةِ لَا تُنَافِي الْغَرَامَةَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ كَمَا إذَا انْفَرَدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَكَمَا إذَا وَقَفَ عَلَى الطَّرِيقِ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى وَلِدَفْعِ الْمَظَالِمِ فَعَثَرَ بِهِ غَيْرُهُ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَغْرَمُ وَالطَّرِيقُ فِيهِ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَهْلِهِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَنْ ابْنِ سَلَّامٍ بَانِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِالْعِمَارَةِ وَالْقَوْمُ أَوْلَى بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ.

وَعَنْ الْإِسْكَافِيِّ أَنَّ الْبَانِيَ أَحَقُّ بِهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يَنْصِبَ شَخْصًا وَالْقَوْمُ يَرَوْنَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِذَلِكَ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ حَصِيرًا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَافِرُ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ ضَمِنَ ذَلِكَ كُلَّهُ هَذَا هُوَ لَفْظُ هَذَا الْكِتَابِ وَفِي الْأَصْلِ يَقُولُ، وَإِذَا احْتَفَرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فِي مَسْجِدِهِمْ بِئْرًا لِمَاءِ الْمَطَرِ أَوْ عَلَّقُوا فِيهِ قَنَادِيلَ أَوْ جَعَلُوا فِيهِ حَبًّا يُصَبُّ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ طَرَحُوا فِيهِ حَصَا أَوْ رَكَّبُوا فِيهِ بَابًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ عَطِبَ بِذَلِكَ فَأَمَّا إذَا أَحْدَثَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَنْ هُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَفْعَلُوا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إنْ أَحْدَثُوا شَيْئًا أَوْ حَفَرُوا بِئْرًا فَعَطِبَ فِيهَا إنْسَانٌ، فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ بِالْإِجْمَاعِ فَأَمَّا إذَا وَضَعُوا حَبًّا لِيَشْرَبُوا مِنْهُ الْمَاءَ أَوْ بَسَطُوا حَصِيرًا أَوْ عَلَّقُوا قَنَادِيلَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَتَعَقَّلَ إنْسَانٌ بِالْحَصِيرِ فَعَطِبَ أَوْ وَقَعَ الْقِنْدِيلُ وَأَحْرَقَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَوْ أَفْسَدَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُمْ يَضْمَنُونَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُونَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِقَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ فِيهِ أَيْضًا إذَا قَعَدَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِد لِحَدِيثٍ أَوْ نَامَ فِيهِ أَوْ قَامَ فِيهِ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارٌّ لِحَاجَةٍ مِنْ الْحَوَائِجِ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَمَاتَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمْشِيَ فِيهِ عَلَى إنْسَانٍ فَأَمَّا إذَا قَعَدَ لِعِبَادَةٍ بِأَنْ كَانَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ أَوْ كَانَ قَعَدَ لِلتَّدْرِيسِ وَتَعْلِيمِ الْقَضَاءِ وَلِلِاعْتِكَافِ أَوْ قَعَدَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَمَاتَ هَلْ يَضْمَنُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْكِتَابِ وَالْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ فَأَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي الْفَرْضَ أَوْ التَّطَوُّعَ السِّغْنَاقِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ الْبَلْخِيّ يَقُولُ إنْ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُعْتَكِفًا فِي الْمَسْجِدِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنْ جَلَسَ لِلْحَدِيثِ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاحٍ لَهُ الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةٌ مَجْهُولَةٌ.

وَإِذَا فَرَشَ الرَّجُلُ فِرَاشًا فِي الْمَسْجِدِ وَنَامَ عَلَيْهِ فَعَثَرَ رَجُلٌ بِالنَّائِمِ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ عَثَرَ بِالْفِرَاشِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَفِيهِ أَيْضًا رِوَايَةٌ مَجْهُولَةٌ.

إذَا بَنَى مَسْجِدًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ أَمْر السُّلْطَانِ فَعَطِبَ بِحَائِطِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ فِي طَرِيقِ الْأَمْصَارِ حَيْثُ يَكُونُ تَضْيِيقًا أَوْ إضْرَارًا، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي أَفَنِيَّة الْمِصْرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخْرَجَ مِنْ دَارِهِ مَسْجِدًا وَبَنَى كَانَ أَوْلَى النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَغَيْرُهُمْ بِإِصْلَاحِهِ وَالْإِسْرَاجِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ بِرِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَهْدِمُوا مَسْجِدَهُمْ وَيَهْدِمُوا بِنَاءَهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُمْ.

قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي رَجُلٍ جَعَلَ قَنْطَرَةً عَلَى نَهْرٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَمَرَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ مُتَعَمِّدًا فَوَقَعَ فَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>