للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَالسَّائِقَ مُسَبِّبٌ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشَرَةِ أَوْلَى وَقِيلَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبُ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا فَنَخَسَ الْمَأْمُورُ الدَّابَّةَ وَوَطِئَتْ إنْسَانًا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَاشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ وَالنَّاخِسُ سَائِقٌ وَالْآمِرُ رَاكِبٌ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمُسَبِّبَ إنَّمَا يَضْمَنُ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ إذَا كَانَ السَّبَبُ شَيْئًا لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فِي الْإِتْلَافِ كَالْحَفْرِ مَعَ الْإِلْقَاءِ، فَإِنَّ الْحَفْرَ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا بِدُونِ الْإِلْقَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فِي الْإِتْلَافِ فَيَشْتَرِكَانِ وَهَذَا مِنْهُ.

وَفِي الْأَصْلِ يَقُولُ رَجُلٌ قَادَ قِطَارًا مِنْ الْإِبِلِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَمَا وَطِئَ أَوَّلُ الْقِطَارِ وَآخِرُهُ مَالًا أَوْ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَالْقَائِدُ ضَامِنٌ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ يَسُوقُ الْإِبِلَ إلَّا أَنَّهُ تَارَةً يَتَقَدَّمُ وَتَارَةً يَتَأَخَّرُ، فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ يَسُوقُ الْإِبِلَ وَسَطَ الْقِطَارِ فَمَا أَصَابَ مِمَّا خَلْفَ هَذَا الَّذِي فِي وَسَطِ الْقِطَارِ أَوْ مِمَّا قَبْلَهُ فَضَمَانُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ هَذَا الَّذِي يَمْشِي فِي وَسَطِ الْقِطَارِ وَلَا يَمْشِي فِي جَانِبٍ مِنْ الْقِطَارِ وَلَا يَأْخُذُ بِزِمَامِ بَعِيرٍ يَقُودُ مَا خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ سَائِقٌ لِوَسَطِ الْقِطَارِ فَيَكُونُ سَائِقًا لِلْكُلِّ بِحُكْمِ اتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقِطَارِ آخِذًا بِزِمَامٍ يَقُودُ مَا خَلْفَهُ وَلَا يَسُوقُ مَا قَبْلَهُ فَمَا أَصَابَ مِمَّا خَلْفَ هَذَا الَّذِي فِي هَذَا الْقِطَارِ فَضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى الْقَائِدِ الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى هَذَا الَّذِي فِي وَسَطِ الْقِطَارِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِدٍ لِمَا قَبْلَهُ وَلَا سَائِقٍ حَتَّى لَوْ كَانَ سَائِقًا لَهُ يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِي الضَّمَانِ كَذَا فِي الْمُغْنِي وَفِي الْيَنَابِيعِ، وَإِنْ كَانَ السَّائِقُ فِي وَسَطِ الْقِطَارِ فَمَا أَصَابَ مِنْ خَلْفِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ أَحَدُهُمْ فِي مُقَدَّمِ الْقِطَارِ وَالْآخَرُ فِي مُؤَخَّرِ الْقِطَارِ وَالثَّالِثُ فِي وَسَطِ الْقِطَارِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَالْمُؤَخَّرِ يَسُوقَانِ وَالْمُقَدَّمُ يَقُودُ الْقِطَارَ فَمَا عَطِبَ بِمَا أَمَامَ الَّذِي فِي الْوَسَطِ فَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْقَائِدِ وَمَا تَلِفَ مِمَّا هُوَ خَلْفَهُ فَهُوَ كُلُّهُ عَلَى الْقَائِدِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُؤَخَّرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَائِقًا.

وَإِنْ كَانُوا يَسُوقُونَ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا السِّغْنَاقِيِّ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ رَاكِبًا وَسَطَ الْقِطَارِ عَلَى بَعِيرِهِ وَلَا يَسُوقُ مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ مَا تَعِيبُ الْإِبِلُ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِقٍ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ مَعَهُمْ فِي الضَّمَانِ مِمَّا أَصَابَ الْبَعِيرُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَوْ مَا خَلْفَهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ إذَا كَانَ زِمَامُ مَا خَلْفَهُ بِيَدِهِ يَقُودُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ نَائِمًا عَلَى بَعِيرِهِ أَوْ قَاعِدًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ فِي حَقِّ مَا خَلْفَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْبَعِيرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا يَقُودُ قِطَارًا وَآخَرُ مِنْ خَلْفِ الْقِطَارِ يَسُوقُهُ وَعَلَى الْإِبِلِ قَوْمٌ فِي الْمَحَالِّ نِيَامٌ أَوْ غَيْرُ نِيَامٍ فَوَطِئَ بَعِيرٌ مِنْهَا إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَالرَّاكِبِينَ الَّذِينَ قُدَّامَ الْبَعِيرِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى رَاكِبِ الْبَعِيرِ الَّذِي وَطِئَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشِرِ.

قَالَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا قَادَ الرَّجُلُ قِطَارًا وَخَلْفَهُ سَائِقٌ وَأَمَامَهُ رَاكِبٌ فَوَطِئَ الرَّاكِبُ إنْسَانًا فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا وَكَذَلِكَ إذَا وَطِئَ بَعِيرٌ مِمَّا خَلْفَ الرَّاكِبِ إنْسَانًا، وَإِنْ كَانَ وَطِئَ بِغَيْرِ أَمَامٍ فَهُوَ عَلَى الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ نِصْفَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاكِبِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى مَسْأَلَةَ الْقِطَارِ بَعْدَ هَذَا فِي صُورَةٍ أُخْرَى وَأَوْجَبَ الضَّمَانَ عَلَى الْقَائِدِ وَعَلَى مَنْ كَانَ قُدَّامَ الْبَعِيرِ الَّذِي أَوْطَأَ مِنْ الرُّكْبَانِ قَالَ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الرُّكْبَانِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْسَانًا مُؤَجَّرًا وَيَسُوقَ فَيَكُونَ عَلَيْهِ وَعَلَى السَّائِقِ الَّذِي خَلْفَهُ يَشْتَرِكُونَ جَمِيعًا فِيهِ الْخَانِيَّةُ.

رَجُلٌ يَقُودُ دَابَّةً فَسَقَطَ شَيْءٌ مِمَّا يُحْمَلُ عَلَى الْإِبِلِ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ سَقَطَ سَرْجُ الدَّابَّةِ أَوْ لِجَامُهَا عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ أَوْ سَقَطَ ذَلِكَ فِي الطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ وَمَاتَ يَضْمَنُ الْقَائِدُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا الْقَاضِي وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ صَاحِبِ زَرْعٍ سَلَّمَ الْحِمَارَ إلَى الْمُزَارِعِ فَرَبَطَ الدَّابَّةَ عَلَيْهِ وَشَدَّ الْحِمَارَ فِي الدَّالِيَةِ بِأَمْرِهِ فَانْقَطَعَ خَيْطٌ مِنْ خُيُوطِهَا فَوَقَعَ الْحِمَارُ فِي حُفْرَةِ الدَّالِيَةِ فَعَطِبَ الْحِمَارُ هَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُزَارِعِ فَقَالَ لَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَادَ قِطَارًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَجَاءَ رَجُلٌ بَعْدُ بِبَعِيرٍ وَرَبَطَهُ بِالْقِطَارِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَأَصَابَ ذَلِكَ الْبَعِيرُ إنْسَانًا فَضَمَانُهُ عَلَى الْقَائِدِ دُونَ الرَّابِطِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَبًا لِلْإِتْلَافِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ قَالَ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَفْصِلْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَ مَا إذَا رَبَطَ الْبَعِيرَ بِالْقِطَارِ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ.

وَفِي بَعْضِ كُتُبِ النَّوَادِرِ أَنَّ الْقِطَارَ إنْ كَانَ لَا يَسِيرُ حَالَةَ الرَّبْطِ فَقَادَهَا الْقَائِدُ بَعْدَ الرَّبْطِ لَا يَرْجِعُ الْقَائِدُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ عَلِمَ الْقَائِدُ بِرَبْطِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنْ كَانَ الْقِطَارُ يَسِيرُ حَالَةَ الرَّبْطِ فَالْقَائِدُ يَرْجِعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>