سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ اللَّازِمَةِ أَمَّا الْبَعِيرُ الَّذِي هُوَ رَاكِبُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَائِدِ غَيْرُ مَا أَصَابَهُ بِالْإِيطَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ ضَمَانُهُ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِيهِ مُبَاشِرًا حَتَّى جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَبَطَ بَعِيرًا عَلَى قِطَارٍ رَجَعَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ بِدِيَةِ مَا تَلِفَ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ) أَيْ إذَا رَبَطَ رَجُلٌ بَعِيرًا عَلَى قِطَارٍ وَالْقَائِدُ لِذَلِكَ الْقِطَارِ لَا يَعْلَمُ فَوَطِئَ الْبَعِيرُ الْمَرْبُوطُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ دِيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُونَ قِطَارَهُ عَنْ رَبْطِ غَيْرِهِ بِهِ، فَإِذَا تَرَكَ صِيَانَتَهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ وَهُوَ مُتَسَبِّبٌ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ وَالرَّابِطِ ابْتِدَاءً مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَسَبِّبٌ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشَرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبْطِ لِاتِّصَالِ التَّلَفِ بِهِ دُونَ الرَّبْطِ فَيَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ وَحْدَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ قَالُوا هَذَا إذَا رَبَطَ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ؛ لِأَنَّ الرَّبْطَ أَمْرٌ بِالْقَوَدِ دَلَالَةً، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ عَنْهُ وَلَكِنَّ جَهْلَهُ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ فَيَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّابِطِ.
وَأَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ وَاقِفَةٌ ضَمِنَهَا عَاقِلَةُ الْقَائِدِ وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ بِمَا لَحِقَهُمْ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ رَضِيَ بِذَلِكَ وَالتَّلَفُ قَدْ اتَّصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ لَا يُنَافِي التَّسَبُّبَ وَلَا الضَّمَانَ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الرُّجُوعَ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَادَ قِطَارًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَجَاءَ بَعِيرٌ آخَرُ وَرَبَطَهُ وَالْقَائِدُ لَا يَعْلَمُ بِهِ أَوْ عَلِمَ فَأَصَابَ ذَلِكَ الْبَعِيرُ إنْسَانًا فَضَمَانُهُ عَلَى الْقَائِدِ دُونَ الرَّابِطِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَسَبِّبًا لِلْإِتْلَافِ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ إنْ عَلِمَ لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يَرْجِعُ وَلَمْ يُفَصِّلْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَ مَا إذَا رَبَطَ الْبَعِيرَ بِالْقِطَارِ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ النَّوَادِرِ، وَإِنْ كَانَ الْقِطَارُ لَا يَسِيرُ حَالَةَ الرَّبْطِ فَقَادَهَا الْقَائِدُ بَعْدَ الرَّبْطِ لَا يَرْجِعُ الْقَائِدُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ عَلِمَ الْقَائِدُ بِرَبْطِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ كَانَ الْقِطَارُ يَسِيرُ حَالَةَ الرَّبْطِ فَالْقَائِدُ يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِرَبْطِهِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى: وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ وَخَلْفَهُ رَدِيفٌ وَخَلْفَ الدَّابَّةِ سَائِقٌ وَأَمَامَهَا قَائِدٌ فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَرْبَاعًا وَعَلَى الرَّاكِبِ وَالرَّدِيفِ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي الطَّرِيقِ فَعَثَرَتْ بِحَجَرٍ وَضَعَهُ رَجُلٌ أَوْ قَدْ كَانَ بَنَاهُ رَجُلٌ أَوْ بِمَاءٍ قَدْ صَبَّهُ رَجُلٌ فَوَقَعَتْ عَلَى إنْسَانٍ وَأَتْلَفَتْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي وَضَعَ الْحَجَرَ فِي الْمَكَانِ أَوْ صَبَّ الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ فِي هَذَا الْإِتْلَافِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاكِبِ قَالُوا وَلَوْ نَخَسَ الدَّابَّةَ رَجُلٌ فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا إنْ وَطِئَتْ فِي فَوْرِ النَّخْسِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِثِقَلِ الرَّاكِبِ وَفِعْلِ النَّاخِسِ فَيَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِمَا أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الرَّاكِبُ مُبَاشِرٌ فِيمَا أَتْلَفَتْ بِالْوَطْءِ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِثِقَلِهِ وَثِقَلِ الدَّابَّةِ جَمِيعًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَالنَّاخِسُ مُسَبِّبٌ كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ.
وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُسَبِّبُ فَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لَا سِيَّمَا فِي مَسْأَلَةِ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ فَمَا بَالُهُمْ صَرَّحُوا هُنَا بِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى الرَّاكِبِ وَالنَّاخِسِ مَعًا وَحَكَمُوا بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَتَدَبَّرْهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ سَائِقَهَا فَمَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا ضَمِنَ) يَعْنِي إذَا أَرْسَلَ إنْسَانٌ بَهِيمَةً وَسَاقَهَا فَكُلُّ شَيْءٍ أَصَابَتْهُ فِي فَوْرِهَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَرْسَلَ طَيْرًا أَوْ كَلْبًا وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَا يَضْمَنُ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا أَمَّا الطَّيْرُ فَلِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمِهِ سَوَاءً فَلَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، فَإِنَّ بَدَنَهَا يَحْمِلُ السَّوْقَ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا السَّوْقُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا وَلَوْ أَرْسَلَ بَازِيًا فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَ لَا يَضْمَنُ الْمُرْسِلُ، وَأَمَّا الْكَلْبُ فَلِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّوْقُ حَقِيقَةً بِأَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهُ وَلَا حُكْمًا بِأَنْ يُصِيبَ عَلَى فَوْرِ الْإِرْسَالِ وَالتَّعَدِّي يَكُونُ بِالسَّوْقِ فَلَا يَضْمَنُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ يُضَافُ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ وَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي فِعْلِ الْبَهِيمَةِ إذَا وُجِدَ مِنْهُ السَّوْقُ فَأَضَفْنَاهُ إلَيْهِ اسْتِحْسَانًا صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّوْقُ بَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً وَتَسَبُّبًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ عَلَى صَيْدٍ حَيْثُ يُؤْكَلُ مَا أَصَابَهُ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى الِاصْطِيَادِ بِهِ فَأُضِيفَ إلَى الْمُرْسَلِ مَا دَامَ الْكَلْبُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَلَمْ يَفْتَرِ عَنْهَا إذْ لَا طَرِيقَ لِلِاصْطِيَادِ سِوَاهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ