يَصِيرُ غَاصِبًا بِالسُّوقِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ عَبْدَانِ الْتَقَيَا وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ عَصًا فَضَرَبَا وَبَرِئَا خُيِّرَ مَوْلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَلَا يَتَرَاجَعَانِ بِشَيْءٍ سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَلَكَ عَبْدَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يُفِيدُ التَّرَاجُعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا لَرَجَعَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ فِي رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ فَمَا يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَذَاكَ بَدَلُ الْآخَرِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ فَلَا يُفِيدُ الرُّجُوعَ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَى كُلُّ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ أَرْشِ جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا ضَرَبَا مَعًا فَقَدْ جَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَبْدٍ صَحِيحٍ فَتَعَلَّقَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ بِعَبْدٍ صَحِيحٍ فَيَجِبُ بَدَلُ عَبْدٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالضَّرْبَةِ خُيِّرَ الْمَوْلَى مَوْلَى الْبَادِئِ؛ لِأَنَّ الْبِدَايَةَ مِنْ مَوْلَى اللَّاحِقِ لَا تُفِيدُ، لِأَنَّ حَقَّ اللَّاحِقِ فِي عَبْدٍ صَحِيحٍ كَامِلِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا دَفَعَ إلَى الْبَادِئِ عَبْدًا مَشْجُوجًا كَانَ لِلَّاحِقِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ عَبْدُك شَجَّ عَبْدِي وَهُوَ صَحِيحٌ وَدَفَعْتَ إلَيَّ عَبْدَكَ بَدَلَ تِلْكَ الشَّجَّةِ فَيَكُونُ لِي وَالْبِدَايَةُ مِنْ مَوْلَى الْبَادِئِ بِالدَّفْعِ مُفِيدَةٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَادِئِ ثَبَتَ فِي عَبْدٍ مَشْجُوجٍ فَمَتَى دَفَعَهُ مَشْجُوجًا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ فَكَانَ دَفْعُهُ مُفِيدًا.
فَإِنْ دَفَعَهُ فَالْعَبْدُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِلدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْبَادِئُ بِشَيْءٍ كَانَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي رَقَبَةِ عَبْدٍ صَحِيحٍ فَلَا يُفِيدُ رُجُوعُ الْبَادِئِ، وَإِنْ فَدَاهُ خُيِّرَ مَوْلَى اللَّاحِقِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عِنْدَ الْبَادِئِ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ الْعَبْدُ اللَّاحِقُ فَإِنْ مَاتَ الْبَادِئُ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي عُنُقِ الثَّانِي يَدْفَعُ بِهَا أَوْ الْفِدَاءَ، فَإِنْ فَدَاهُ بِقِيمَةِ الْمَيِّتِ رَجَعَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ بِأَرْشِ جِرَاحَتِهِ عَبْدًا؛ لِأَنَّ بِالْفِدَاءِ أَظْهَرَ عَبْدًا لِلَّاحِقِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ، وَإِنَّمَا جَنَى عَلَيْهِ الْبَادِئُ وَالْبَادِئُ وَإِنْ مَاتَ فَالْقِيمَةُ قَامَتْ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَإِنْ دَفَعَهُ رَجَعَ بِأَرْشِ شَجَّةِ عَبْدِهِ فِي عُنُقِهِ وَيُخَيَّرُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ قَامَ مَقَامَ الْمَيِّتِ الشَّاجِّ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ خُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْبَادِئِ، وَإِنْ فَدَاهُ أَوْ دَفَعَ بَطَلَ حَقُّهُ فِي شَجَّةِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ شَجَّ اللَّاحِقُ الْبَادِئَ كَانَ اللَّاحِقُ مَشْجُوجًا فَثَبَتَ حَقُّ مَوْلَى الْبَادِئِ فِي عَبْدٍ مَشْجُوجٍ فَثَبَتَ حَقُّهُ فِيمَا وَرَاءَ الشَّجَّةِ فَمَاتَ لَا إلَى خَلْفٍ لَمَّا مَاتَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ فَبَطَلَ حَقُّ مَوْلَى الْبَادِئِ فِي شَجَّةِ عَبْدِهِ وَلَوْ مَاتَ الْبَادِئُ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْجِنَايَةِ وَبَقِيَ اللَّاحِقُ خُيِّرَ مَوْلَى الْبَادِئِ وَيُقَالُ لَهُ إنْ شِئْت فَاعْفُ عَنْ مَوْلَى اللَّاحِقِ وَلَا سَبِيلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ شِئْت ادْفَعْ أَرْشَ شَجَّةِ اللَّاحِقِ وَطَالِبْهُ بِحَقِّك وَإِنْ دَفَعَ إلَى صَاحِبِهِ أَرْشَ عَبْدِهِ يَرْجِعُ بِأَرْشِ جِنَايَةِ عَبْدِهِ فَيَدْفَعُ مَوْلَى اللَّاحِقِ عَبْدَهُ بِهَا أَوْ يَفْدِيهِ أَمَّا الْمَفْهُومُ فَلِأَنَّ مَوْلَى الْبَادِئِ بِجِنَايَتِهِ إذَا دَفَعَ كَانَ لِمَوْلَى اللَّاحِقِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأَرْشِ شَجَّةِ عَبْدِهِ وَكَانَ لِمَوْلَى الْبَادِئِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ ثَانِيًا إلَيْهِ عَنْ حَقِّهِ فَلَا يُفِيدُهُ الدَّفْعُ.
وَإِنَّمَا دَفَعَ أَرْشَ شَجَّةِ اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى دَفَعَ أَرْشَ عَبْدِ اللَّاحِقِ فَقَدْ طَهُرَ الْبَادِئُ عَنْ الْجِنَايَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ، وَإِنَّمَا جَنَى عَلَيْهِ الْعَبْدُ اللَّاحِقُ فَيُخَاطَبُ مَوْلَى اللَّاحِقِ بِالدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَأَيَّ ذَلِكَ اخْتَارَ لَا يَبْقَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّهُ، وَإِنْ أَبَى مَوْلَى الْبَادِئِ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْشَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عِتْقِ الْآخَرِ، فَإِنَّ مَوْلَى الْبَادِئِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْعَفْوِ وَبَيْنَ دَفْعِ الْأَرْشِ وَالْمُطَالَبَةِ شَجَّةً لِعَبْدِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الْأَرْشِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْعَفْوِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَفَوْتُك عَنْ حَقِّي فَيَبْطُلُ حَقُّهُ وَلَوْ مَاتَ اللَّاحِقُ وَبَقِيَ الْبَادِئُ خُيِّرَ مَوْلَاهُ، فَإِنْ دَفَعَهُ بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِنْ فَدَاهُ بِأَرْشِ عَبْدِهِ وَفِي الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَادِئَ طَاهِرٌ عَنْ الْجِنَايَةِ لِعَفْوِ أَحَدِهِمَا عَنْ جِنَايَتِهِ نِصْفَ الْعَبْدِ وَلَا يَزْدَادُ حَقُّهُ فَكَذَا هَذَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ السَّرْجُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ) يَعْنِي إذَا سَاقَ دَابَّةً وَلَهَا سَرْجٌ فَوَقَعَ السَّرْجُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا بِفُرُوعِهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَادَ قِطَارًا فَوَطِئَ بَعِيرٌ إنْسَانًا ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ) ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ وَالتَّسَبُّبُ بِلَفْظِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ غَيْرَ أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانَ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ رَجُلٌ لَهُ مَزْرَعَةٌ فَأَكَلَهَا جَمَلُ غَيْرِهِ فَأَخَذَهُ وَحَبَسَهُ فِي الْإِصْطَبْلِ ثُمَّ وُجِدَ الْجَمَلُ مَكْسُورَ الرِّجْلِ كَيْفَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنْ لَمْ يُكْسَرْ رِجْلُهُ فِي حَبْسِهِ قَالُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالُوا الضَّمَانُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى صَاحِبِهِ وَالرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَعَلَيْهِمَا) أَيْ إذَا كَانَ مَعَ الْقَائِدِ سَائِقٌ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الضَّمَانُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّسَبُّبِ؛ لِأَنَّ قَائِدَ الْوَاحِدِ قَائِدُ الْكُلِّ وَكَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute