مِنْ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ فَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْمَعُ فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلِاحْتِطَابِ وَالْكَلَأِ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ انْقَطَعَتْ عَنْهَا مَنْفَعَةُ الْمُسْلِمِينَ فَدَمُهُ هَدَرٌ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَبِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مِلْكًا لِأَحَدِكُمَا قَالَ إذَا كَانَ يُسْمَعُ مِنْهَا الصَّوْتُ مِنْ الْمِصْرِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقَرْيَتَيْنِ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ مِثَالٌ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ مَحَلَّتَيْنِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَمَّا إذَا وُجِدَ فِي فَلَاةِ مُبَاحٍ فَإِنْ وُجِدَ فِي خَيْمَةٍ أَوْ فُسْطَاطٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى مَالِكِهَا وَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ يَسْكُنُهَا لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ كَمَا فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهَا فَعَلَى الْقَبِيلَةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا قَبَائِلَ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَالِّ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْمُقِرِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ إزْعَاجُهُمْ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ.
وَلَوْ وُجِدَ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَعَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ وُجِدَ بَيْنَ الْمَحَلَّتَيْنِ وَبَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ هَذَا إذَا نَزَلُوا بَيْنَ قَبَائِلَ مُتَفَرِّقِينَ فَإِنْ نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلِطِينَ وَوُجِدَ الْقَتِيلُ خَارِجَ الْخِيَامِ فَعَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ كُلِّهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا جُمْلَةً صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْأَمْكِنَةَ كُلَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى جَمِيعِ الْعَسْكَرِ لَا إلَى الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ الْعَسْكَرُ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَسْكَرَ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِمَنْزِلَةِ السُّكَّانِ وَالْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُمَا سَوَّيَا بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الدَّارِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَرَّقَ فَإِنَّ عِنْدَهُ فِي الدَّارِ تَجِبُ عَلَى السُّكَّانِ دُونَ الْمُلَّاكِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَسْكَرَ نَزَلُوا فِي هَذَا الْمَكَانِ لِلِانْتِقَالِ وَالِارْتِحَالِ لَا لِلْقَرَارِ وَمَا لَا قَرَارَ لَهُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ فَأَمَّا السُّكَّانُ فِي الدَّارِ لِلْقَرَارِ لَا لِلِانْتِقَالِ وَالْفِرَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ قَدْ لَقُوا عَدُوَّهُمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتْلُ الْعَدُوِّ وَلَوْ جُرِحَ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ فَحُمِلَ مَجْرُوحًا وَمَاتَ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّتِي جُرِحَ فِيهَا لِأَنَّ الْقَتْلَ حَقِيقَةً وُجِدَ فِي الْمَحَلَّةِ الْأُولَى دُونَ الْأُخْرَى رَجُلٌ جُرِحَ وَحَمَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِهِ فَمَكَثَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الْحَامِلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَفِي قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا إذَا جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ ثُمَّ مَاتَ فِي أَهْلِ قَبِيلَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَصَارَ وُجُودُهُ مَجْرُوحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ فِي مَحَلَّتِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَلَا يَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ وَلَنَا أَنَّ الْمُلَّاكَ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِنُصْرَةِ الْمَنْفَعَةِ عَادَةً دُونَ السُّكَّانِ وَلِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارَهُمْ أَدْوَمُ وَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَتَحَقَّقَ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ وَفِي الْأَصْلِ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الدَّارِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الدَّارِ يَعْنِي أَهْلَ الْخُطَّةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَصْلِ وَذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى قَوْمِ صَاحِبِ الدَّارِ فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى قَوْمِهِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْقَسَامَةِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا تَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي وَحُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ وَفَّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ إنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ خَاصَّةً إذَا كَانَ قَوْمُهُ غُيَّبًا وَمَعْنَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ إنَّهَا تَكُونُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ أَنْ يَكُونَ قَوْمُهُ حُضُورًا حَتَّى لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ فِي الْمَحَلَّةِ ثُمَّ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِهِمْ أَيْ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِهِمْ وَفِيهَا سُكَّانٌ وَمُشْتَرُونَ فَإِنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
فَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى السُّكَّانِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِينَ الَّذِينَ هُمْ مُلَّاكٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَقُولُ تَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالسُّكَّانِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ فَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ أَنَا قَتَلْته لِأَنَّهُ أَرَادَ أَخْذَ مَالِي وَعَلَى الْمَقْتُولِ سِيمَا السُّرَّاقِ وَهُوَ مُبْهَمٌ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ إنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ لَا الْقِصَاصَ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِقَتْلِهِ وَلَا نَقْتُلُهُ وَتُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْيَنَابِيعِ رَجُلٌ وَجَدَ قَتِيلًا فَادَّعَى وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْتُولِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ الْوَلِيُّ احْلِفْ أَنَّك قَتَلْته وَآخُذُ مِنْك الْجِنَايَةَ أَيْ الدِّيَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَوْلُهُ دَارُ إنْسَانٍ مِثَالٌ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي حَانُوتٍ، وَالْكَرْمُ وَالْأَرْضُ فِي الْحُكْمِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الدَّارِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ خَرِبَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute