وَبِقُرْبِهَا مَحَلَّةٌ عَامِرَةٌ فِيهَا أُنَاسٌ كَثِيرَةٌ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْل الْمَحَلَّةِ الْعَامِرَةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَمَاكِنِ إلَيْهَا وَلَوْ وُجِدَ فِي دَارِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ أَوْ امْرَأَةٌ فِي دَارِ زَوْجِهَا تَجِبُ فِيهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَلَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ حُكْمًا بِتَرْكِ الْحِفْظِ وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ امْرَأَةٍ كَرَّرَ عَلَيْهَا الْيَمِينَ خَمْسِينَ مَرَّةً.
وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ رَجُلَانِ كَانَا فِي بَيْتٍ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ الْآخَرُ الدِّيَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ الْآخَرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا حُكْمَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْآخَرَ قَتَلَ نَفْسَهُ وَأَنَّ الْآخَرَ قَتَلَهُ فَلَا أُضَمِّنُهُ بِالشَّكِّ وَلَوْ أَنَّ دَارًا مُغْلَقَةً لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ وَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ رَبِّ الدَّارِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ وَالْمُشْتَرِينَ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَأَهْلُ الْخُطَّةِ هُمْ الَّذِينَ خَطَّ لَهُمْ الْإِمَامُ الْأَرْضَ بِخَطِّهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْكُلُّ مُشْتَرِكٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَكَذَا فِي تَرْكِ الْحِفْظِ فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ لِلْخُطَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ لَمَا شَارَكَهُمْ الْمُشْتَرِي وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ فِي الْعُرْفِ وَكَذَا فِي الْحِفْظِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ أَصِيلٌ وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ الْحِفْظِ عَلَى الْأَصِيلِ دُونَ الدَّخِيلِ وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وِلَايَةُ تَدْبِيرِهَا إلَى الْمَالِكِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ وَالْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ مُشْتَرٍ وَصَاحِبِ خُطَّةٍ فَإِنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْمَحَلَّةِ أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ كَانَتْ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ تَدْبِيرَ الْمَحَلَّةِ لِأَهْلِهَا دُونَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَتَدْبِيرَ الدَّارِ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ قَالَ وَهُمَا عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ الدِّيَةُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ مُتَأَخِّرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ لِزَوَالِ مَنْ يُزَاحِمُهُمْ ثُمَّ إذَا وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ تَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَدْخُلُ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا عَوَاقِلُهُمْ فَصَارُوا كَمَا إذَا كَانُوا غَائِبِينَ وَلَهُمَا أَنَّهُمْ فِي الْحُضُورِ لَزِمَتْهُمْ نُصْرَةُ الْبُقْعَةِ كَمَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الدَّارِ فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وُجِدَ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى التَّفَاوُتِ فَهِيَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ أَنْصِبَاؤُهُمْ فِيهَا مُتَفَاضِلَةٌ بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مَثَلًا لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلثَّالِثِ السُّدُسُ تُقْسَمُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَلَا يُعْتَبَرُ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي التَّدْبِيرِ فَكَانُوا سَوَاءً فِي الْحِفْظِ وَالتَّقْصِيرِ فَيَكُونُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ دَارٌ نِصْفُهَا لِرَجُلٍ وَعُشْرُهَا لِآخَرَ وَلِآخَرَ مَا بَقِيَ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَهِيَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الرِّجَالِ دُونَ تَفَاوُتِ الْمِلْكِ حَتَّى أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا وُجِدَ فِي دَارٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَثْلَاثًا فَالدِّيَةُ تَجِبُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا دَارٌ بَيْنَ بَكْرٍ وَزَيْدٍ أَثْلَاثًا فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ أَثْلَاثًا.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى عَدَدِ الْمِلْكِ وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ أَهْلِ الْقَرْيَتَيْنِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي دَارٍ بَيْنَ تَمِيمِيٍّ وَبَيْنَ أَرْبَعَةٍ مِنْ هَمْدَانَ وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ الدِّيَةُ أَخْمَاسًا وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ وَهُوَ فِي الْقُرْبِ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ وَوُجِدَ فِي إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ أُنَاسٌ كَثِيرَةٌ وَفِي الْأُخْرَى أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَالدِّيَةُ عَلَى الْقَرْيَتَيْنِ نِصْفَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ ثَلَاثِ دُورٍ دَارٌ لِتَمِيمِيِّ وَدَارَانِ لِهَمْدَانَ وَهُوَ فِي الْقُرْبِ مِنْهُمَا جَمِيعًا عَلَى السَّوَاءِ فَالدِّيَةُ نِصْفَانِ وَاعْتَبَرَ الْقَبِيلَةَ دُونَ الْقُرْبِ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ جَمِيعًا أَثْلَاثًا وَتَمَامُ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَوَاقِلِ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَحَلَّةِ فَالْمُعْتَبَرُ عَدَدُ الْقَبَائِلِ وَالْقَبَائِلُ هُنَا ثَلَاثٌ فَالدِّيَةُ أَثْلَاثٌ وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ إذَا جَمَعَهُمْ دِيوَانٌ وَاحِدٌ وَقَاتِلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ عَلَى أَهْلِ دِيوَانِهِ لَا عَلَى أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بِيعَ فَلَمْ يَقْبِضْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute