للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَيْنِك الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ عِنْدَ صَيْرُورَةِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِهَا فَإِنَّك تُدْرِكُهَا وَرَابِعُهَا فَاجْعَلْ عَيْنَ الشَّمْسِ عَلَى مُؤَخِّرِ عَيْنِك الْيُمْنَى عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنَّك تُدْرِكُهَا، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الْمِهْرَجَانِ بِشَهْرٍ فَاسْتَقْبَلَ الْعَقْرَبَ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّك تُدْرِكُهَا وَإِذَا جَعَلَتْ بَنَاتَ نَعْشٍ الصُّغْرَى عَلَى أُذُنِك الْيُمْنَى وَانْحَرَفْت قَلِيلًا إلَى شِمَالِك فَإِنَّك تُدْرِكُهَا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ الْقُطْبُ وَهُوَ نَجْمٌ صَغِيرٌ فِي بَنَاتِ نَعْشٍ الصُّغْرَى بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ إذَا جَعَلَهُ الْوَاقِفُ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى كَانَ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ إنْ كَانَ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَهَمْدَانَ وَقَزْوِينَ وَطَبَرِسْتَانَ وَجُرْجَانَ وَمَا وَالَاهَا إلَى نَهْرِ الشَّاشِ وَيَجْعَلُهُ مَنْ بِمِصْرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرَ وَمَنْ بِالْعِرَاقِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ فَيَكُونُ مُسْتَقْبِلًا بَابَ الْكَعْبَةِ وَبِالْيَمَنِ قُبَالَةَ الْمُسْتَقْبِلِ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ وَبِالشَّامِ وَرَاءَهُ وَفِي مَعْرِفَةِ الْجِهَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَطْلَقَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْجِهَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْكَعْبَةِ وَشَرَطَهَا الْجُرْجَانِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إصَابَةُ الْعَيْنِ لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا يُمْكِنُ إصَابَةُ الْعَيْنِ لِلْبَعِيدِ إلَّا مِنْ حَيْثُ النِّيَّةُ فَانْتَقَلَ ذَلِكَ إلَيْهَا وَذَهَبَ الْعَامَّةُ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ إصَابَةِ الْعَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ إصَابَةَ الْجِهَةِ تَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْعَيْنِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَانَ الْفَرْضُ إصَابَةَ الْعَيْنِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ أَوْ إصَابَةَ الْجِهَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْوِيَ الْكَعْبَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُحَاذِيَ هَذِهِ الْجِهَةُ الْكَعْبَةَ فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ

وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَهَا شَرْطٌ مِنْ الشَّرَائِطِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ كَالْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ لَوْ نَوَى بِنَاءَ الْكَعْبَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَعْبَةِ الْعَرْصَةُ لَا الْبِنَاءُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْبِنَاءِ جِهَةَ الْكَعْبَةِ فَيَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُمْ وَلَوْ نَوَى أَنَّ قِبْلَتَهُ مِحْرَابُ مَسْجِدِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِقِبْلَةٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَوْلُهُمْ: لَوْ نَوَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَنْوِ الْكَعْبَةَ قِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْجِهَةَ وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ أَتَى مَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ الشَّارِطِ لِلنِّيَّةِ، أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ فَيَجُوزُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ ثَمَرَة الْخِلَافِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَظْهَرُ أَيْضًا فِي الِانْحِرَافِ قَلِيلًا فَمَنْ قَالَ الْفَرْضُ التَّوَجُّهُ إلَى الْعَيْنِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَمَنْ قَالَ الْجِهَةُ صَحَّحَهَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ الْقِبْلَةُ هِيَ الْعَرْصَةُ لَا الْكَعْبَةُ؛ لِأَنَّهَا الْبِنَاءُ وَفِي الْفَتَاوَى الِانْحِرَافُ الْمُفْسِدُ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَإِذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَتَفْسُدُ بِصَدْرِهِ قِيلَ هَذَا أَلْيَقُ بِقَوْلِهِمَا، أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْبَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ الرَّفْضِ لَا تَفْسُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا حَتَّى لَوْ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ عَلَى ظَنِّ الْإِتْمَامِ فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ بَنَى مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعُذْرِهِ هُنَاكَ وَتَمَرُّدِهِ هُنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ إذَا حَوَّلَ صَدْرَهُ فَسَدَتْ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْكُتُبِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ مُتَعَمِّدًا لَا يَكْفُرُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ الْكَعْبَةِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لِعَدَمِ الْجَوَازِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ بِحَالٍ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ الْفَرْضِ لُزُومُ الْكُفْرِ بِجَحْدِهِ لَا بِتَرْكِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْكُفْرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ عَمْدًا لِلُزُومِ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسَائِلِ إذْ لَا أَثَرَ لِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْوَالِ بَلْ الْمُوجِبُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ إلَخْ) هُوَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى الِانْحِرَافُ الْمُفْسِدُ أَنْ يُجَاوِزَ) الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبِ كَذَا نَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الِانْحِرَافَ إذَا لَمْ يُوَصِّلْهُ إلَى هَذَا الْقَدْرِ لَا يُفْسِدُ وَعِبَارَةُ التَّجْنِيسِ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُؤَلِّفُ بَعْدَهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُفْسِدَ انْحِرَافَ الصَّدْرِ فَيَصْدُقُ بِمَا دُونَ ذَلِكَ أَيْ بِأَنْ يَنْحَرِفَ بِصَدْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَى اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَنْ أَمَالِي الْفَتَاوَى وَنَصُّهُ وَذُكِرَ فِي أَمَالِي الْفَتَاوَى حَدُّ الْقِبْلَةِ فِي بِلَادِنَا يَعْنِي سَمَرْقَنْدَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبَيْنِ مَغْرِبَ الشِّتَاءِ وَمَغْرِبَ الصَّيْفِ، فَإِنْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ خَرَجَتْ مِنْ الْمَغْرِبَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. اهـ.

قَالَ شَارِحُهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَذَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي الْمُلْتَقَطِ مَعَ زِيَادَةٍ وَهِيَ وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ يَنْظُرُ إلَى أَقْصَرِ يَوْمٍ فِي الشِّتَاءِ وَإِلَى أَطْوَلِ يَوْمٍ فِي الصَّيْفِ فَيَعْرِفُ مَغْرِبَيْهِمَا ثُمَّ يَتْرُكُ الثُّلُثَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَالثُّلُثَ عَنْ يَسَارِهِ وَيُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَهَذَا اسْتِحْبَابٌ وَالْأَوَّلُ لِلْجَوَازِ. اهـ.

وَمَشَى عَلَى الْأَوَّلِ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَجَعَلَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مَنْصُورٍ هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ قَالَ الْفَقِيرُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>