الْإِجْمَاعُ
عَلَيْهِ وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى الْكَعْبَةُ إذَا رُفِعَتْ عَنْ مَكَانِهَا لِزِيَارَةِ أَصْحَابِ الْكَرَامَةِ فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ جَازَتْ صَلَاةُ الْمُتَوَجِّهِينَ إلَى أَرْضِهَا. (قَوْلُهُ: فَلِلْمَكِّيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا) أَيْ عَيْنِ الْقِبْلَةِ بِمَعْنَى الْكَعْبَةِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ أَطْلَقَ فِي الْمَكِّيِّ فَشَمِلَ مَنْ كَانَ بِمُعَايَنَتِهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ صَلَّى مَكِّيٌّ فِي بَيْتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَتْ الْجُدْرَانُ يَقَعُ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى شَطْرِ الْكَعْبَةِ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ فَإِنَّهُ لَوْ أُزِيلَتْ الْمَوَانِعُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقَعَ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ لَا مَحَالَةَ، كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَهُ لِيَصِلَ إلَى الْيَقِينِ، وَفِي التَّجْنِيسِ مَنْ كَانَ بِمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ فَالشَّرْطُ إصَابَةُ عَيْنِهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِمُعَايَنَتِهَا فَالشَّرْطُ إصَابَةُ جِهَتِهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعِنْدِي فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ وَتَرْكَ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ وَمَا أَقْرَبَ قَوْلَهُ فِي الْكِتَابِ وَالِاسْتِخْبَارِ فَوْقَ التَّحَرِّي فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى الظَّنِّيِّ لِإِمْكَانِ ظَنِّيٍّ أَقْوَى مِنْهُ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْيَقِينُ مَعَ إمْكَانِهِ لِلظَّنِّ.
(قَوْلُهُ: وَلِغَيْرِهِ إصَابَةُ جِهَتِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا وَهُوَ الْجَانِبُ الَّذِي إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ الشَّخْصُ يَكُون مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا إمَّا تَحْقِيقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ فَرَضَ خَطًّا مَنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ عَلَى زَاوِيَةٍ قَائِمَةٍ إلَى الْأُفُقِ يَكُونُ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا وَإِمَّا تَقْرِيبًا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُنْحَرِفًا عَنْ الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا انْحِرَافًا لَا تَزُولُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ مُسَامِتًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَسَافَةٍ بَعْدَهُ لَا تَزُولُ بِمَا تَزُولُ بِهِ مِنْ الِانْحِرَافِ لَوْ كَانَتْ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ وَيَتَفَاوَتُ ذَلِكَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْبُعْدِ وَتَبْقَى الْمُسَامَتَةُ مَعَ انْتِقَالٍ مُنَاسِبٍ لِذَلِكَ الْبُعْدِ فَلَوْ فَرَضَ مَثَلًا خَطًّا مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْكَعْبَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَخَطٌّ آخَرَ يَقْطَعُهُ عَلَى زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ مِنْ جَانِبِ يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ وَشِمَالِهِ لَا تَزُولُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ عَلَى ذَلِكَ الْخَطِّ بِفَرَاسِخَ كَثِيرَةٍ وَلِهَذَا وَضَعَ الْعُلَمَاءُ قِبْلَةَ بَلَدٍ وَبَلَدَيْنِ وَبِلَادٍ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَجِهَةُ الْكَعْبَةِ تُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ وَالدَّلِيلُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى الْمَحَارِيبُ الَّتِي نَصَبَهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ فِي اسْتِقْبَالِ الْمَحَارِيبِ الْمَنْصُوبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالسُّؤَالُ مِنْ الْأَهْلِ، أَمَّا الْبِحَارُ وَالْمَفَاوِزُ فَدَلِيلُ الْقِبْلَةِ النُّجُومُ إلَى آخِرِهِ وَفِي الْمُبْتَغَى فِي مَعْرِفَةِ الْجِهَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا - فِي أَقْصَرِ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَاجْعَلْ عَيْنَ الشَّمْسِ عِنْدَ مَطْلَعِهَا عَلَى رَأْسِ أُذُنِك الْيُسْرَى فَإِنَّك تُدْرِكُهَا.
وَثَانِيهَا - فَاجْعَلْ عَيْنَ الشَّمْسِ عَلَى مُؤَخَّرِ عَيْنِك الْيُسْرَى عِنْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّك تُصِيبُهَا. وَثَالِثُهَا - فَاجْعَلْ الشَّمْسَ عَلَى مُقَدِّمِ
ــ
[منحة الخالق]
وَقَدْ كَثُرَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ طَرْدًا وَعَكْسًا وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ رَدًّا لِاسْتِدْلَالِهِمْ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ لَا يُفِيدُ فَرْضِيَّةَ شَيْءٍ أَصْلًا أَقُولُ: الِاسْتِدْلَال مِنْهُمْ صَحِيحٌ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ إثْبَاتَ الْفَرْضِ بِخَبَرٍ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَعْنِي بِهِ الِاسْتِدْلَالَ بِنَفْسِ مَفْهُومِ النَّصِّ الْغَيْرِ الْقَطْعِيِّ عَلَى إثْبَاتِ فَرْضِيَّةِ شَيْءٍ إذَا كَانَ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ قَطْعِيًّا شَائِعٌ كَثِيرٌ فِيمَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَقِلًّا فِي إثْبَاتِهِ لِعَدَمِ قَطْعِيَّةِ ثُبُوتِهِ وَيَقْصِدُونَ بِذَلِكَ تَأْكِيدَ مَضْمُونِ الْقَطْعِيِّ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فِي كُتُبِهِمْ لِإِثْبَاتِ فَرْضِيَّةِ شَيْءٍ أَنَّهُ فَرْضٌ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ وَمَقْصُودُهُمْ مِنْ إيرَادِ الْعَقْلِ تَقْوِيَةُ مَضْمُونِ النَّصِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْقِيَاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ مُسْتَقِلًّا لِإِثْبَاتِ الْفَرْضِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فَوْقَ الْقِيَاسِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ شَيْءٍ تَقْوِيَةً لِلنَّصِّ الْقَطْعِيِّ، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَانْظُرْ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَهْمَا تَجِدُهُ مِنْ مَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَعَ مُوَافِقًا لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ فَقُلْ بِفَرْضِيَّتِهِ وَمَا لَمْ تَجِدْهُ مُوَافِقًا لِذَلِكَ لَا تَقُلْ بِفَرْضِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَالْأَمْرُ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَعَ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: ٣] {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَرْضًا وَالْأَمْرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لِتَرْكِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ الْقَطْعِيِّ بَلْ وَقَعَ مُخَالِفًا لِإِطْلَاقِهِ فَلَا يَكُونُ تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَرْضًا بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالرُّكُوعِ وَهُوَ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ وَبِالسُّجُودِ وَهُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً فَتَتَعَلَّقُ الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي الدَّوَامَ وَيَتَعَلَّقُ الْكَمَالُ بِالسُّنِّيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إذْ الزِّيَادَةُ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. اهـ. كَلَامُ الْقَرْمَانِيِّ.
(قَوْلُهُ: الْكَعْبَةُ إذَا رُفِعَتْ عَنْ مَكَانِهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَيَرُدُّ بِهِ عَلَى مَنْ نَسَبَ إمَامَنَا إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِهَا. (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ إلَخْ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ وُجُوبًا بِحَيْثُ أَوْ التَّقْدِيرُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute