للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: ٩٣] ، وَقَالَ تَعَالَى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ} [الأعراف: ٨٣] ، وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةً لِلزَّوْجَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ النَّصُّ، وَالْعُرْفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: ٢٩] ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَآلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ) ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ الْأَقْرَبُ، وَالْأَبْعَدُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَى أَبِيهِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ فَكَانُوا مِنْ جِنْسٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْآبَاءِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ أَوْصَى بِمَالِهِ لِقَرَابَتِهِ فَالْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ يَثْبُتُ بِالِاتِّصَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِذَوِي أَرْحَامِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ اثْنَانِ فَصَاعِدٌ الْأَقْرَبُ وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَاحِدُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُحَرَّمُ وَغَيْرُ الْمَحْرَمِ، وَالْبَعِيدُ، وَالْقَرِيبُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَهُمَا أَنَّ الْقَرَابَةَ اسْمٌ عَامٌّ يَعُمُّ الْكُلَّ وَيَشْمَلُهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤] دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَائِلَ قُرَيْشٍ وَأَنْذَرَهُمْ» فَأَكْثَرُ بَنِي هَاشِمٍ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ مِنْهُ وَبَعِيدٌ عَنْهُ فِي الْقَرَابَةِ وَلِأَنَّ إطْلَاقَ الْقَرِيبِ فِي اسْتِعْمَالِ الْكَلَامِ فِي الْأَبَاعِدِ مِنْ الْأَقَارِبِ أَكْثَرُ مِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ بَعُدَ مِنْهُ هَذَا قَرِيبٌ مِنِّي وَلَا يُقَالُ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُ كَالْعَمِّ هَذَا قَرِيبِي.

وَالْقَرَابَةُ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَصَاعِدًا كَاسْمِ الرَّجُلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ أَرْبَعَةِ شَرَائِطَ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِاسْمِ الْجَمْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ قَرَابَتِي مِنْ الْغُرْبِ وَمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ فِيهِ وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ، وَالْجَمْعُ مِنْ وَجْهٍ مُلْحَقٌ بِالْجَمْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْمِيرَاثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ، وَفِي الْمِيرَاثِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَيَكُونُ الْأَبْعَدُ مَحْجُوبًا بِالْأَقْرَبِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ» ، وَالْأُخْتِيَّةُ تَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ، وَالْمُشَارَكَةَ فِي أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ.

وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمُوصِي حَتَّى إنَّ أَوْلَادَ الْعَمِّ لَا تَسْتَحِقُّهُ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ صِلَةُ الْقَرَابَةِ فَيَخْتَصُّ بِهَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الصِّلَةَ بِالْقَرَابَةِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ الْمُوجِبَةِ لِلصِّلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا صِلَةُ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ، وَالْعِتْقِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ، وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ يَرِثُ مِنْ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْمُوصِي صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقَرَابَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا لِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْمُوصِي مَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَالِدَانِ، وَالْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الْقَرَابَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠] فَقَدْ عَطَفَ الْأَقْرَبِينَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ، وَالْبَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ وَاسْمُ الْقَرَابَةِ لَا يُطْلَقُ مَعَ وُجُودِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى يَدْخُلُونَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْقَرِيبِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يَدْخُلُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَبِ يَتَنَاوَلُهُ وَيَتَنَاوَلُ اسْمَ الْقَرِيبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَوْ كَانَ وَاحِدًا يَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ لِلْمُزَاحِمِ أَكْثَرُ مِنْ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ جِهَةُ الْأَبِ، وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّوْنَ قَرَابَتَهُ فَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ مِنْهُمْ وَكَذَا أَهْلُ نِسْبَتِهِ وَأَهْلُ نَسَبِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَبُ، وَالْجَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَصْلُ النَّسَبِ، وَالْجَدَّ أَصْلُ نَسَبِ أَبِيهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ كَانَ الْأَبُ الْأَكْبَرُ حَيًّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمُضَافِ لَا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَوْ أَوْصَتْ الْمَرْأَةُ لِجِنْسِهَا أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِهَا لَا يَدْخُلُ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ لَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَقَرَابَتِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ أَوْ لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَرْحَامِهِ أَوْ لِأَنْسَابِهِ) فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَلَا يَدْخُلُ الْوَالِدَانِ، وَالْوَلَدُ، وَالْوَارِثُ وَيَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي مِثْلِ أَبِي طَالِبٍ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>