للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ الْوَاقِعَةُ فَجَعَلَ يَقُولُ هُوَ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ فَاسْتُبْعِدَ قَوْلُهُ ذَلِكَ فَتَحَيَّرَ وَدَخَلَ فَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَا يَأْخُذُهُ النَّوْمُ لِتَحَيُّرِهِ وَكَانَتْ لَهُ بِنْتٌ تَغْمِزُ رِجْلَهُ فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَكَرِهِ فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ: دَعْ الْمُحَالَ وَأَتْبِعِ الْحُكْمَ الْمَبَالَ فَخَرَجَ إلَى قَوْمِهِ فَحَكَى لَهُمْ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنُوا فَعَرَفَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ وَلِأَنَّ الْبَوْلَ مِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ، وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَقَعُ بِهِ الْفَصْلُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ تِلْكَ الْآلَةِ خُرُوجُ الْبَوْلِ، وَذَلِكَ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ أُمِّهِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا) فَالْحُكْمُ لِلْأَسْبَقِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ وَلِأَنَّهُ كَمَا خَرَجَ الْبَوْلُ حُكِمَ بِمُوجِبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ تَامَّةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ الْآلَةِ الْأُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ فِي السَّبَقِ (فَمُشْكَلٌ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا عِبْرَةَ بِالْكَثْرَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ فَيَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ وَلَهُ أَنَّ كَثْرَةَ مَا يَخْرُجُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الْآلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِ الْمَخْرَجِ وَضِيقِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ وَلِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ دَلِيلٌ بِنَفْسِهِ فَالْكَثْرَةُ لَا يَقَعُ بِهَا التَّرْجِيحُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ كَالشَّاهِدَيْنِ، وَالْأَرْبَعَةِ.

وَقَدْ اسْتَقْبَحَ أَبُو حَنِيفَةَ اعْتِبَارَ ذَلِكَ فَقَالَ: هَلْ رَأَيْت قَاضِيًا يَكِيلُ الْبَوْلَ بِالْأَوَاقِيِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَلَغَ وَخَرَجَتْ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ وَصَلَ إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ مِنْ الذَّكَرِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَةِ الذَّكَرِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ فَامْرَأَةٌ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ أَوْ تَعَارَضَتْ فَمُشْكَلٌ) لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ التَّرْجِيحَ، وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَعُدُّ أَضْلَاعَهُ فَإِنَّ أَضْلَاعَ الرَّجُلِ تَزِيدُ عَنْ أَضْلَاعِ الْمَرْأَةِ بِوَاحِدَةٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَلَوْ وَقَفَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يُحَاذِيهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ وَلَا النِّسَاءَ وَإِنْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَإِنْ كَانَ بَالِغًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ، وَالْأَصْلُ فِي أَحْكَامِهِ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْأَحْوَطِ فَالْأَحْوَطِ وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَلَوْ كَانَ بَالِغًا حُرًّا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً.

وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا بِجُلُوسِهِ جُلُوسَ الرِّجَالِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعِبَادَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ يُرِيدُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ إلَّا اسْتِحْسَانًا تَخَلُّقًا وَاعْتِبَارًا، وَفِي الْهِدَايَةِ: صَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعِ امْرَأَةٍ أَنْ يُعِيدَ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ هَذَا إذَا كَانَ الْخُنْثَى مُرَاهِقًا غَيْرَ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَإِنْ بَلَغَ بِالسِّنِّ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَاتِ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ لَا تُجْزِيْهِ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ قِنَاعٍ إذَا كَانَ الْخُنْثَى حُرًّا، وَفِي السِّغْنَاقِيِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَصَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعِ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ وَهَذَا بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ هَكَذَا لَفْظُ الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ أَنَّ طَرِيقَ الِاحْتِيَاطِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْوُجُوبُ.

قَالَ وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ كَجُلُوسِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ أَحْرَمَ هَذَا الْخُنْثَى، وَقَدْ رَاهَقَ وَلَمْ يَبْلُغْ وَلَمْ يَسْتَبِنْ أَنَّهُ امْرَأَةٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا عِلْمَ لِي بِلِبَاسِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ كَانَ أَحْوَطَ لِجَوَازِ أَنَّهَا أُنْثَى فَلَا يَحِلُّ لَهَا كَشْفُ الْعَوْرَةِ، قَالَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبِسَ الْحُلِيَّ وَأَرَادَ بِهِ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ إذَا لَمْ يَظْهَرْ بِهِ عَلَامَاتٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى كَوْنِهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ أَيْضًا قَالَ: وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْكَشِفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ أَوْ قُدَّامَ النِّسَاءِ وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ قَدْ رَاهَقَ فَإِنْ قُلْتَ.

وَهَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ يَخْلُوَ هُوَ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهَا قُلْت نَعَمْ إذَا خَلَا بِالْخُنْثَى رَجُلٌ مَحْرَمٌ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ الْخُنْثَى إذَا خَلَا بِامْرَأَةٍ هُوَ مَحْرَمٌ مِنْهَا وَلَا يُسَافِرُ الْخُنْثَى بِامْرَأَةٍ هِيَ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَافِرَ الْخُنْثَى مَعَ مَحْرَمٍ مِنْ الرِّجَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا وَلَا يَخْتِنُهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ تَخْتِنَهُ وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُشْتَهَى أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ صَبِيَّةً فَلَا بَأْسَ لِلنِّسَاءِ أَنْ تَخْتِنَهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُرَاهِقَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُشْتَهَى، وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُرَاهِقَةٍ وَهِيَ تُشْتَهَى أَوْ لَا.

فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ حَيْثُ قُلْتُمْ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>