مَاتَ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ وَلَا يُغَسِّلُهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَمْ تَقُولُوا أَنَّهُ يُشْتَرَى لَهُ جَارِيَةٌ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ أَبِيهِ أَوْ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَمَّ مَالٌ ثُمَّ يَبِيعُهَا الْإِمَامُ بَعْدَمَا غَسَّلَتْهُ وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ قُلْنَا شِرَاءُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْخُنْثَى لِتَغْسِلَهُ لَا تُفِيدُ إبَاحَةَ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا الْخُنْثَى وَلَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ لِحَاجَةِ الْغُسْلِ فَأَمَّا مَا دَامَ حَيًّا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَيَمْلِكُ الْجَارِيَةَ الَّتِي اُشْتُرِيَتْ لَهُ وَإِذَا مَلَكَ الْجَارِيَةَ الَّتِي اُشْتُرِيَتْ لَهُ كَانَ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ يُفِيدُ إبَاحَةَ الْخِتَانِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ) يَعْنِي بِمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَمْلُوكِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ ذَكَرًا وَلِلضَّرُورَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ رَجُلٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ امْرَأَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ، وَالْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ هَذَا الْخُنْثَى امْرَأَةً قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ زَوْجَةً فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ لَا يَفْسُدُ وَلَا يَبْطُلُ وَلَا يَتَوَارَثَانِ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُ الْخُنْثَى؛ لِأَنَّ التَّوَارُثَ حُكْمُ النِّكَاحِ النَّافِذِ لَا حُكْمُ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ.
فَإِنْ زَوَّجَهُ الْأَبُ امْرَأَةً وَبَلَغَ وَظَهَرَ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ وَنَحْوُهُ حُكِمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً كَمَا يُؤَجَّلُ غَيْرُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى امْرَأَتِهِ وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ تَزَوَّجَ خُنْثَى مِثْلَهُ فَالنِّكَاحُ يَكُونُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَسْتَبِينَ حَالُهُمَا فَإِنْ تَبَيَّنَ حَالُهُمَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَا قَبْلَ أَنْ يَزُولَ الْإِشْكَالُ لَمْ يَتَوَارَثَا وَإِنْ مَاتَا وَتَرَكَا أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ هُوَ الزَّوْجُ وَأَنَّ الْآخَرَ هُوَ الزَّوْجَةُ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ هَذَا الْخُنْثَى بِشَهْوَةٍ لَيْسَ لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرَهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ تُبَاعُ) ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أُعِدَّ لِنَوَائِب الْمُسْلِمِينَ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ تَعَذُّرًا لِلْحَاجَةِ، وَهِيَ حَاجَةُ الْخِتَانِ فَإِذَا خَتَنَتْهُ تُبَاعُ وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا زَوَّجَ امْرَأَةً فَخَتَنَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا صَحَّ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَنَظَرُ الْجِنْسِ أَخَفُّ ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَتَحْصُلُ الْفُرْقَةُ ثُمَّ تَعْتَدُّ إنْ خَلَا بِهَا احْتِيَاطًا وَلَوْ حَلَفَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ بِأَنْ قَالَ: إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ فَوَلَدَتْ خُنْثَى لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَسْتَبِينَ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى لَمْ يَثْبُتْ بِالشَّكِّ، وَلَوْ قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ أَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ وَلَهُ مَمْلُوكٌ خُنْثَى لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ قَالَ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا عَتَقَ لِلتَّيَقُّنِ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا.
وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى: أَنَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُشْكِلًا؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ: إنْ قَالَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ أَنَا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَمِينٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ كَمَا إذَا قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ قَوْلِهَا بِأَنْ قَالَتْ فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ.
وَلَا يَحْضُرُ الْخُنْثَى غَسْلَ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَجَّى قَبْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى أُقِيمَ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا لَا يَضُرُّهُ التَّسْجِيَةُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وُضِعَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالْخُنْثَى خَلْفَهُ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى وَيُؤَخَّرُ عَنْ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِلْعُذْرِ جُعِلَ خَلْفَ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزًا مِنْ صَعِيدٍ لِيَكُونَ فِي حُكْمِ الْقَبْرَيْنِ وَكَذَا الرَّجُلَانِ إذَا دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَإِنْ دُفِنَ مَعَ امْرَأَةٍ قُدِّمَ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَيَدْخُلُ قَبْرُهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخُنْثَى مِنْ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ وَلَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ وَلَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةِ وَلَا لِبَيَانِ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِيهِ وَلَا لِبَيَانِ شَهَادَتِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَذَفَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ قَذَفَ الْخُنْثَى رَجُلًا فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ أَمَّا إذَا كَانَ الْقَاذِفُ هُوَ الْخُنْثَى فَلِأَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَاذِفُ رَجُلًا آخَرَ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ مِنْ أَحَدِ شَرَائِطِ إحْصَانِ الْقَذْفِ كَالْإِسْلَامِ وَإِنْ قَذَفَ الْخُنْثَى بَعْدَ بُلُوغِهِ بِالسِّنِّ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ عَلَامَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُدَّ حَدَّ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ وَلَوْ قَذَفَ الْخُنْثَى رَجُلًا بَعْدَ ظُهُورِ عَلَامَةِ الرِّجَالِ أَوْ قَذَفَهُ رَجُلٌ فَهُمَا سَوَاءٌ فَيَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى وَإِنْ صَارَ مُحْصَنًا بِالْبُلُوغِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْأُنُوثَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute