للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. قَالَ فِي الْمُبْتَغَى رَكَعَ وَهُوَ نَائِمٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا اهـ.

وَفَرْقُهُمْ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ لَا يُجْدِي نَفْعًا وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَيْضًا جَوَازُ الْقِيَامِ حَالَةَ النَّوْمِ أَيْضًا، وَإِنْ نَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَأَمَّا الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ نَائِمًا فَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إذَا نَامَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ كُلِّهَا فَلَمَّا انْتَبَهَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ نَائِمًا يُعْتَدُّ بِهَا، وَعَلَّلَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيِّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَمَبْنَاهَا عَلَى الِاسْتِرَاحَةِ فَيُلَائِمُهَا النَّوْمُ فَيَجُوزُ أَنْ تُحْتَسَبَ مِنْ الْفَرْضِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمَشَقَّةِ فَلَا تَتَأَدَّى فِي حَالَةِ النَّوْمِ، وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا بِمَا رَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِيمَا لَوْ قَرَأَ نَائِمًا فِي قَوْلِهِمْ لَوْ رَكَعَ نَائِمًا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ فَنَامَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ فِي الْمُبْتَغَى جَازَ إجْمَاعًا، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ نَامَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لَا يُعِيدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ وَالْوَضْعَ حَصَلَ بِالِاخْتِيَارِ، ثُمَّ اعْلَمْ، أَنَّهُ يَتَفَرَّغُ عَلَى اشْتِرَاطِ الِاخْتِيَارِ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمَفْرُوضَةِ أَنَّ النَّائِمَ فِي الصَّلَاةِ لَوْ أَتَى بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ) وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إنَّهَا فَرْضٌ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا وَوَافَقَ نَصَّ الْكِتَابِ الْقَطْعِيِّ نَصُّ السُّنَّةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ نَصِّ الْكِتَابِ الْقَطْعِيِّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ السُّنَّةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ أَوْ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفْيَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَ إطْلَاقِ نَصِّ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ نَسْخٌ لَهُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْقَطْعِيِّ بَلْ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِهِ، وَأَيْضًا ثَبَتَ عَنْهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِيهَا، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِهَا لِلْفَرْضِيَّةِ، وَالْمُوَاظَبَةُ وَحْدَهَا كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ ظَاهِرًا تُفِيدُ الْوُجُوبَ فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِتَرْكِهَا سَهْوًا، وَالْإِعَادَةُ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ لِتَكُونَ مُؤَدَّاةً عَلَى وَجْهٍ لَا نَقْصَ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يُعِدْهَا كَانَتْ مُؤَدَّاةً أَدَاءً مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ تَرَكَهُ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا، وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ اهـ.

إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَوَاجِبٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَرَكَ السُّورَةَ وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، ثُمَّ اعْلَمْ، أَنَّهُمْ قَالُوا فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الْفَاتِحَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَلَوْ تَرَكَ أَقَلَّهَا لَا يَجِبُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ بِتَمَامِهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَكْثَرُهَا وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلْ، وَفِي الْقُنْيَةِ يَخَافُ الْمُصَلِّي فَوْتَ الْوَقْتِ إنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِآيَةٍ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ بِالزِّيَادَةِ اهـ.

ثُمَّ الْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ، وَفِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ، وَفِي الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ فَسُنَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَضَمُّ سُورَةٍ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ سُنَّةٌ، وَلَنَا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا» أَطْلَقَ السُّورَةَ وَأَرَادَ بِهَا ثَلَاثَ آيَاتٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ سُورَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ كَسُورَةِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] وَلَمْ يُرِدْ السُّورَةَ بِتَمَامِهَا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الِاقْتِصَارِ الْمَفْهُومِ مِمَّا سَبَقَ أَيْ عُرِفَ مِنْ اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ جَوَازُ الْقِيَامِ حَالَةَ النَّوْمِ، وَفِيهِ خَفَاءٌ بَلْ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي مِنْ الْفَرْعِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَأَنَّهُ لِهَذَا لَمْ يُفَرِّقْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَكَذَا الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ تَبَعًا لِإِطْلَاقِ عِبَارَةِ مَتْنِ التَّنْوِيرِ، وَكَذَا الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً لَا يُعْتَدُّ بِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَنَّ الْقِيَامَ مِنْهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ اهـ. أَيْ وَعَلَى أَنَّ الْقِيَامَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى يَسْجُدُ بِتَرْكِ آيَةٍ مِنْهَا هُوَ أَوْلَى، قُلْت: وَعَلَيْهِ فَكُلُّ آيَةٍ وَاجِبٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ بِتَمَامِهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ أَقُولُ: لَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ إيجَابَ السُّجُودِ إنَّمَا هُوَ بِتَرْكِهَا، وَهُوَ إذَا تَرَكَ أَكْثَرَهَا فَقَدْ تَرَكَهَا حُكْمًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ، وَأَمَّا إذَا تَرَكَ أَقَلَّهَا فَلَا يَكُونُ تَارِكًا لَهَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا اهـ.

وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ وَجْهٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ تَرْكِ الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ إذْ فِيهِ تَسْلِيمٌ أَنَّ تَرْكَ الْأَقَلِّ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>