كَلَامِهِ وَهَذَا الضَّمُّ وَاجِبٌ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ، وَفِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ كَالْفَاتِحَةِ، وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا سُنَّةٍ بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ فَلَوْ ضَمَّ السُّورَةَ إلَى الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا كَمَا نَقَلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَسَيَأْتِي بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ) أَيْ وَتَعْيِينُ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الثُّلَاثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ الْمَكْتُوبَتَيْنِ لِلْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى لَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ دُونَ الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّعَيُّنِ لَا فَرْضًا وَلَا وَاجِبًا لَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ وَسَيَأْتِي تَضْعِيفُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَاجِبَيْنِ آخَرَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمُصَنِّفُ صَرِيحًا: أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ تَقْدِيمِ الْفَاتِحَةِ عَلَى السُّورَةِ لِثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ حَتَّى قَالُوا لَوْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ السُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ سَاهِيًا، ثُمَّ تَذَكَّرَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ السُّورَةَ وَيَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَضَمُّ سُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَقْدِيمَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُومَ إلَيْهِ شَيْءٌ يَقْتَضِي تَأَخُّرَهُ عَنْهُ. ثَانِيهِمَا: الِاقْتِصَارُ فِي الْأُولَيَيْنِ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى إذَا قَرَأَهَا فِي رَكْعَةٍ مِنْهُمَا مَرَّتَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ وَجَبَ السُّجُودُ، وَإِنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالسُّورَةِ لَا يَجِبُ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ لَمَّا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ لُزُومِ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ السُّورَةُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَإِنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ وَاجِبًا بِأَثَرِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
(قَوْلُهُ وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي فِعْلٍ مُكَرَّرٍ) أَطْلَقَهُ هُنَا وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِالْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَقَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَزَادَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوْ يَكُونُ مُتَكَرِّرًا فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَإِنَّ مَا يَقْضِيه الْمَسْبُوقُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ عِنْدَنَا، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَكَانَ آخِرًا اهـ.
وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ مَا يَقْضِيه الْمَسْبُوقُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً وَأَيْضًا لَيْسَ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ مُطْلَقًا بَلْ أَوَّلُهَا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَآخِرُهَا فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ التَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَى الْمَسْبُوقِ وَلَا نَقْصَ فِي صَلَاتِهِ أَصْلًا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِالْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ) أَقُولُ: وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ التَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا وَهْمٌ إذْ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ لَيْسَ إلَّا وَاجِبًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ وَمَا فِي الشَّرْحِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخَبَّازِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ جَرَى فِي الدِّرَايَةِ وَالْفَتْحِ اهـ.
وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَإِلَّا فَاَلَّذِي هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْكَافِي كَمَا مَرَّ، ثُمَّ حَاصِلُ كَلَامِ النَّهْرِ أَنَّ مَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الرَّكَعَاتِ وَاجِبٌ عَلَى الْمَسْبُوقِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِلَّا لَمَا سَقَطَ عَنْ الْمَسْبُوقِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِنَّ مَا يَقْضِيه الْمَسْبُوقُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَحَكَمْنَا عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا يَقْضِيه آخِرُهَا إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إيقَاعُ مَا أَدْرَكَهُ أَوَّلًا فِي الْآخِرِ أَوْ لَحَكَمْنَا عَلَيْهِ بِأَنْ يُصَلِّي أَوَّلًا رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا، ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ وَقَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَعْنَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ فِيمَا شَرَعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ: أَرَادَ بِهِ مَا تَكَرَّرَ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالرَّكَعَاتِ إلَّا لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يُصَلِّي آخِرَ الرَّكَعَاتِ قَبْلَ أَوَّلِهَا أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ اهـ.
وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ لَك عَدَمُ صِحَّةِ مَا اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: بَلْ هُوَ الْوَاهِمُ لِأَنَّ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ اهـ.
بَقِيَ هُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَّ إمَّا مُنْفَرِدٌ أَوْ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ فِي حَقِّ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ يَأْتِيَانِ بِهَا أَوَّلًا فَهِيَ الْأُولَى وَثَانِيًا فَهِيَ الثَّانِيَةُ وَهَلُمَّ جَرَّا، أَمَّا الْمَأْمُومُ فَهُوَ إمَّا مُدْرِكٌ أَوْ مَسْبُوقٌ أَوْ لَاحِقٌ فَالْمُدْرِكُ حُكْمُهُ كَإِمَامِهِ وَالْمَسْبُوقُ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِعَكْسِ التَّرْتِيبِ وَاللَّاحِقُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ، فَمَا فَائِدَةُ هَذَا الْوَاجِبِ وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَصَوُّرِ عَكْسِ التَّرْتِيبِ أَنْ لَا يُذْكَرَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا بِفَرْضِيَّةِ تَرْتِيبِ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَخِيرًا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ عَكْسُ التَّرْتِيبِ، نَعَمْ تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِي نَفْيِ فَرْضِيَّتِهِ وَهِيَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ
وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا كَلَامٌ تَرَكْنَاهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ. هَذَا وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِشْكَالَ سَاقِطٌ مِنْ