الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الِاسْتِفْتَاحِ فَلَا يَأْتِي بِدُعَاءِ التَّوَجُّهِ، وَهُوَ وَجَّهْت وَجْهِي لَا قَبْلَ الشُّرُوعِ وَلَا بَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ وَنَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَيْنِ: فِي رِوَايَةٍ يُقَدِّمُ التَّسْبِيحَ عَلَى التَّوَجُّهِ وَصَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ: إنْ شَاءَ قَدَّمَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُ، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا» ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوَسُّعِ وَيَدْفَعُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «كَانَ إذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا» وَمِنْهُمْ مِنْ أَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَهَرَ بِالتَّسْبِيحِ فَقَطْ لِتَقْتَدِيَ النَّاسُ بِهِ وَيَتَعَلَّمُوهُ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِرَ الْأَمْرِ فِي الْفَرَائِضِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِذَا زَادَ " وَجَلَّ ثَنَاؤُك " لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ سَكَتَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَفِي الْكَافِي أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَشْهُودِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَظَرًا إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَرْوِيِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْمَحَلِّ، وَإِنْ كَانَ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ اعْلَمْ، أَنَّهُ يَقُولُ فِي دُعَاءِ التَّوَجُّهِ: " وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ "، وَلَوْ قَالَ " وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ " اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْفَسَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَتَعْلِيلُ الْفَسَادِ بِأَنَّهُ كَذِبٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ كَذِبًا إذَا كَانَ مُخْبِرًا عَنْ نَفْسِهِ لَا تَالِيًا وَإِذَا كَانَ مُخْبِرًا فَالْفَسَادُ عِنْدَ الْكُلِّ.
(قَوْلُهُ وَتَعَوَّذَ سِرًّا) أَيْ قَالَ الْمُصَلِّي: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَابْنِ كَثِيرٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ مِنْ اسْتِعَاذَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ يَعْنِي؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ {فَاسْتَعِذْ} [الأعراف: ٢٠٠] بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنْ الِاسْتِعَاذَةِ وَأَسْتَعِيذُ مُضَارِعُهَا فَيَتَوَافَقَانِ بِخِلَافِ أَعُوذُ فَإِنَّهُ مِنْ الْعَوْذِ لَا مِنْ الِاسْتِعَاذَةِ وَجَوَابُهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ لَفْظَ اسْتَعِذْ طَلَبُ الْعَوْذِ، وَقَوْلُهُ أَعُوذُ مِثَالٌ مُطَابِقٌ لِمُقْتَضَاهُ أَمَّا قُرْبُهُ مِنْ لَفْظِهِ فَمُهْدَرٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يَعْنِي كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيِّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ بَابِ الثَّنَاءِ وَمَا بَعْدَ التَّعَوُّذِ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ لَا مَحَلُّ الثَّنَاءِ، وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨] أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، فَأَطْلَقَ الْمُسَبَّبَ عَلَى السَّبَبِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لِظَاهِرِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا عَلَى سُنِّيَّتِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَلَمْ يُعَيِّنْ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ الَّذِي هُوَ الصَّارِفُ لِلْأَمْرِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى سَنَدٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُمْ عِلْمًا ضَرُورِيًّا يَسْتَفِيدُونَ بِهِ الْحُكْمَ فَلَا إشْكَالَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ التَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ وَآمِينَ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فَقَوْلُهُ سِرًّا عَائِدٌ إلَى الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ
(قَوْلُهُ لِلْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ لَا الْمُقْتَدِي وَيُؤَخِّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ التَّعَوُّذَ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ كُلُّ قَارِئٍ لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لَهَا صِيَانَةً عَنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ فَكَانَ تَبَعًا لَهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ وَيَأْتِي بِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ، ثَانِيهَا: أَنَّ الْإِمَامَ يَأْتِي بِالتَّعَوُّذِ بَعْدَ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى عِنْدَهُمَا وَيَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ وَالْمُقْتَدِي بَعْدَ الثَّنَاءِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ عِنْدَهُ، ثَالِثُهَا: أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَا يَأْتِي بِهِ لِلْحَالِ وَيَأْتِي بِهِ إذَا قَامَ إلَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ إجْمَاعَ الْقُرَّاءَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَهَذَا لِأَنَّ السُّنَنَ إنَّمَا دَخَلَتْ فِي الْأَمْرِ دَلَالَةً عَلَى طَلَبِ الِاسْتِعَاذَةِ، فَالْقَائِلُ أَعُوذُ مُمْتَثِلٌ لَا أَسْتَعِيذُ لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِلِاسْتِعَاذَةِ لَا مُتَعَوِّذٌ وَلِذَا كَانَ أَعُوذُ هُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ اسْتِعَاذَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ عُذْت بِفُلَانٍ وَاسْتَعَذْت بِهِ الْتَجَأْت إلَيْهِ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ كَذَا فِي النَّشْرِ لِابْنِ الْجَزَرِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا عَلَى سُنِّيَّتِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ نِزَاعٌ فَقَدْ رُوِيَ الْوُجُوبُ عَنْ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَقَوْلُهُ سِرًّا عَائِدٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَوْنُهُ قَيْدًا فِي الِاسْتِفْتَاحِ أَيْضًا بَعِيدٌ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ التَّنَازُعِ بَلْ هُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ تَعَوَّذَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّ مَجِيءَ الْمَصْدَرِ الْمُنَكَّرِ حَالًا وَإِنْ كَثُرَ إلَّا أَنَّهُ سَمَاعِيٌّ. اهـ.
وَفِي قَوْلِهِ فَهُوَ مِنْ التَّنَازُعِ نَظَرٌ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ هَمْعِ الْهَوَامِعِ مِنْ أَنَّ التَّنَازُعَ يَقَعُ فِي كُلِّ مَعْمُولٍ إلَّا الْمَفْعُولَ وَالتَّمْيِيزَ، وَكَذَا الْحَالُ خِلَافًا لِابْنِ مُعْطِي وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ فَهُوَ كَالتَّنَازُعِ أَيْ شَبِيهٌ بِالتَّنَازُعِ الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُ عَامِلَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ الْفِعْلِ أَوْ شِبْهِهِ بِاسْمٍ فَأَكْثَرَ (قَوْلُهُ الرِّوَايَةُ) لَعَلَّهُ الدِّرَايَةُ تَأَمَّلْ اهـ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute