للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَأْتِي بِهِ مَرَّتَيْنِ عِنْدَ الدُّخُولِ بَعْدَ الثَّنَاءِ وَعِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَجَمَاعَةٌ الْخِلَافَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ كَالْمَبْسُوطِ وَالْمَنْظُومَةِ وَشُرُوحِهَا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ صَحَّحَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ مَحَلَّ التَّعَوُّذِ بَعْدَ الثَّنَاءِ

وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَوَّذَ قَبْلَ الثَّنَاءِ أَعَادَهُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي مَحَلِّهِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ التَّعَوُّذَ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ لَا يَتَعَوَّذُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَقَيَّدَنَا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ التِّلْمِيذَ لَا يَتَعَوَّذُ إذَا قَرَأَ عَلَى أُسْتَاذِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ إلَّا إذَا كَانَ إمَامُهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَأْتِي بِهِ أَيْضًا إذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ وَإِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ يَتَحَرَّى إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرُّكُوعِ يَأْتِي بِهِ قَائِمًا وَإِلَّا يُتَابِعُ الْإِمَامَ وَلَا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ فِي الرُّكُوعِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ التَّسْبِيحَاتِ، وَإِنَّمَا يَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فِيهِ دُونَ تَسْبِيحَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ دُونَهَا، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَةِ فَهُوَ كَالرُّكُوعِ وَإِذَا لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَأْتِي بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ عَنْ الْإِمَامِ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ بِزِيَادَةٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، لِمَا أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ غَيْرُ مُفْسِدٍ، وَإِنْ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الْقَعْدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ بَلْ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ، ثُمَّ لِلِانْحِطَاطِ، ثُمَّ يَقْعُدُ، وَقِيلَ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ كَمَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ.

(قَوْلُهُ وَسَمَّى سِرًّا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَيْ، ثُمَّ يُسَمِّي الْمُصَلِّي بِأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ هُنَا، وَأَمَّا فِي الْوُضُوءِ وَالذَّبِيحَةِ فَالْمُرَادُ مِنْهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ بِالْمُصَلِّي هُنَا الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ أَمَّا الْمُقْتَدِي فَلَا دَخْلَ لَهُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَقْرَأُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَتَعَوَّذُ، وَقَدْ عَدَّهَا الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ السُّنَنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ صَحَّحَ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ وُجُوبَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَصَرَّحَ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ قَالَ وَإِنَّ الْوُجُوبَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ بِمَا يُفِيدُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ إنْ لَمْ تُجْعَلْ مِنْ الْفَاتِحَةِ قَطْعًا لِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَكِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَصَارَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ عَمَلًا فَمَتَى لَزِمَهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ يَلْزَمُهُ قِرَاءَةُ التَّسْمِيَةِ احْتِيَاطًا اهـ.

وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ وَالْمُوَاظَبَةُ لَمْ تَثْبُتْ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ مَحَلَّ التَّعَوُّذِ بَعْدَ الثَّنَاءِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى بُعْدُ هَذِهِ الْإِشَارَةِ إذْ الْوَاوُ لَا تُفِيدُ تَرْتِيبًا اهـ.

قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: التَّرْتِيبُ مُسْتَفَادٌ مِنْ صَنِيعِهِ لَا مِنْ الْوَاوِ فَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ: وَسَمَّى وَقَرَأَ إلَخْ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ) وَجْهُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مَعْلُولٌ بِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ فَيَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي جَمِيعِ مَا يُخْشَى فِيهِ الْوَسْوَسَةُ. اهـ.

وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ لَيْسَ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَعَدَمِهَا بَلْ فِي الِاسْتِنَانِ وَعَدَمِهِ اهـ.

أَيْ فَتُسَنُّ لِلْقِرَاءَةِ وَلَا تُسَنُّ لِغَيْرِهَا وَنَفْيُ السُّنِّيَّةِ لَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ وَنَصُّ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا: إذَا قَالَ الرَّجُلُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يَتَعَوَّذُ قَبْلَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: ٩٨] ، وَإِنْ أَرَادَ افْتِتَاحَ الْكَلَامِ كَمَا يَقْرَأُ التِّلْمِيذُ عَلَى الْأُسْتَاذِ لَا يَتَعَوَّذُ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، أَلَا يُرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْكُرَ فَيَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعَوُّذِ قَبْلَهُ فَعَلَى هَذَا الْجُنُبُ إذَا قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِنْ أَرَادَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَرَادَ افْتِتَاحَ الْكَلَامِ أَوْ التَّسْمِيَةَ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا يَأْتِي بِالتَّعَوُّذِ قَبْلَهَا إلَّا إذَا أَرَادَ بِهَا الْقِرَاءَةَ، أَمَّا إذَا أَرَادَ بِهَا افْتِتَاحَ الْكَلَامِ كَمَا يَأْتِي بِهَا التِّلْمِيذُ فِي أَوَّلِ دَرْسِهِ لِلْعِلْمِ لَا يَتَعَوَّذُ لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ تَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِقَصْدِ الذِّكْرِ حَتَّى يَجُوزَ لِلْجُنُبِ الْإِتْيَانُ بِهَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْقُرْآنِيَّةَ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لَا يُسَنُّ التَّعَوُّذُ قَبْلَهُ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التِّلَاوَةَ، وَأَمَّا لَوْ أَتَى بِالْبَسْمَلَةِ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ أَوْ بِالْحَمْدَلَةِ لِقَصْدِ الشُّكْرِ لَا عَلَى قَصْدِ الْقُرْآنِيَّةِ فَلَا يُسَنُّ التَّعَوُّذُ، وَكَذَا إذَا تَكَلَّمَ بِغَيْرِ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْآنِ بِالْأَوْلَى، نَعَمْ تُطْلَبُ الِاسْتِعَاذَةُ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِكَلَامٍ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فَغَيْرُ الْقُرْآنِ لَا تُسَنُّ لَهُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ إلَّا أَنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَوَجَّهَ الثَّانِيَ بِمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ، ثُمَّ قَالَ أَقُولُ: فِي إيجَابِ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا مُنَافَاةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِتَرْكِ أَقَلِّ الْفَاتِحَةِ فَتَدَبَّرْ اهـ.

أَقُولُ: تَنْدَفِعُ الْمُنَافَاةُ بِمَا مَرَّ لَنَا فِي الْوَاجِبَاتِ عَنْ الْحَصْكَفِيِّ عَنْ الْمُجْتَبَى مِنْ وُجُوبِ السُّجُودِ بِتَرْكِ آيَةٍ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>