للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ إلَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ، فَإِنْ ثَبَتَتْ فَلَا، كَمَا فِي الْبَسْمَلَةِ فَالْمُوجِبُ لِتَكْفِيرِ مَنْ أَنْكَرَ الْقُرْآنَ إنْكَارُ مَا تَوَاتَرَ كَوْنُهُ قُرْآنًا، وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَبِمَا تَوَاتَرَتْ فِي الْمُصْحَفِ ثَبَتَتْ قُرْآنِيَّتُهَا وَبِتَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا فِي الْأَوَائِلِ لَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهَا، فَالتَّوَاتُرُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْقُرْآنِ تَوَاتُرُهُ فِي مَحَلِّهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّكْفِيرِ تَوَاتُرُ كَوْنِهِ قُرْآنًا، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً لَزِمَ تَكْفِيرُ مُنْكِرِهَا وَلَمْ يَتَكَافَرُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَاتِرَةً فَلَيْسَتْ قُرْآنًا، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (آيَةٌ) إلَى أَنَّهَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ يُفْتَحُ بِهَا كُلُّ سُورَةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ آيَاتٌ فِي السُّورَةِ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْبَسْمَلَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ النَّمْلِ أَمَّا هِيَ فَبَعْضُ آيَةٍ اتِّفَاقًا وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ لِمَذْهَبِنَا حَدِيثُ «قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ» إلَى آخِرِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ فَدَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَحَدِيثُ عَدَّ سُورَةَ الْمُلْكِ ثَلَاثِينَ آيَةً وَهِيَ ثَلَاثُونَ دُونَهَا وَالْكَلَامُ فِي الْبَسْمَلَةِ طَوِيلٌ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قِرَاءَتُهَا عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَقْرَأَ عَلَى قَصْدِ الْقُرْآنِ، وَمُقْتَضَى كَوْنِهَا قُرْآنًا أَنْ تَحْرُمَ عَلَى الْجُنُبِ إلَّا إذَا قَصَدَ الذِّكْرَ أَوْ التَّيَمُّنَ، وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّهَا آيَةٌ فِي حَقِّ حُرْمَتِهَا عَلَى الْجُنُبِ لَا فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهَا فَإِنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَسْقُطُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) أَيْ قَرَأَ الْمُصَلِّي إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ مَا ذُكِرَ وَهُمَا وَاجِبَتَانِ لِلْمُوَاظَبَةِ، لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ أَوْجَبُ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ بِتَرْكِهَا دُونَ السُّورَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَدْ تَبِعَ فِيهِ الْفَقِيهَ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَبِتَرْكِ الْوَاجِبِ تَثْبُتُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ قَالُوا كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ يَجِبُ إعَادَتُهَا فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عِنْدَ تَرْكِ السُّورَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا كَتَرْكِ الْفَاتِحَةِ، نَعَمْ الْفَاتِحَةُ آكَدُ فِي الْوُجُوبِ مِنْ السُّورَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي رُكْنِيَّتِهَا دُونَ السُّورَةِ وَالْآكَدِيَّةُ لَا تَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ حُكْمُ تَرْكِ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا إلَّا الْوَاجِبَ الْمُتَأَكِّدَ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالثَّلَاثُ آيَاتٍ الْقِصَارُ تَقُومُ مَقَامَ السُّورَةِ فِي الْإِعْجَازِ فَكَذَا هُنَا، وَكَذَا الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ تَقُومُ مَقَامَهَا فَإِذَا نَقَصَ عَنْ ثَلَاثٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ فَقَدْ ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَإِذَا أَتَى بِهَا خَرَجَ عَنْ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، فَإِنْ قَرَأَ الْقَدْرَ الْمَسْنُونَ كَمَا سَيَأْتِي فَقَدْ خَرَجَ عَنْ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ أَيْضًا وَإِلَّا فَقَدْ ارْتَكَبَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَمَنْ قَالَ: خَرَجَ عَنْ الْكَرَاهَةِ إذَا قَرَأَ الْوَاجِبَ، أَرَادَ التَّحْرِيمِيَّةَ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَخْرُجُ عَنْهَا، أَرَادَ التَّنْزِيهِيَّةَ.

(قَوْلُهُ وَأَمَّنَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ سِرًّا) لِلْحَدِيثِ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَهُوَ يُفِيدُ تَأْمِينَهُمَا لَكِنْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسُقْ النَّصَّ لَهُ، وَفِي حَقِّ الْمَأْمُومِ بِالْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّهُ سِيقَ لِأَجْلِهِ، وَبِهَذَا يَضْعُفُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ آمِينَ وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّنَ " الْمُصَلِّي " أَوْ " الْجَمِيعُ " كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمُنْفَرِدَ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ أَيْضًا لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ آمِينَ» الْحَدِيثَ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ انْدَرَجَ الْمُنْفَرِدُ، وَأَطْلَقَ فِي إخْفَائِهَا فَشَمِلَ الصَّلَاةَ الْجَهْرِيَّةَ وَالسِّرِّيَّةَ وَكُلَّ مُصَلٍّ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَأْمِينِ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي السِّرِّيَّةِ وَسَمِعَ الْمَأْمُومُ تَأْمِينَهُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقُولُهُ هُوَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَا عِبْرَةَ بِهِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُولُهَا إلَّا إذَا

ــ

[منحة الخالق]

تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُنْكِرِ مِنْ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي مَحَلِّهَا لَا يَسْتَلْزِمُ قُرْآنِيَّتَهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي مَحَلِّهَا أَثْبَتَ أَصْلَ قُرْآنِيَّتِهَا، وَأَمَّا كَوْنُهَا قُرْآنًا مُتَوَاتِرًا فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ مُنْكِرُهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِقُرْآنِيَّتِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ الشَّافِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ هُنَا فَلَا لِمَا عَلِمْت وَتَصْحِيحُهُ بِإِسْقَاطِ قَوْلِهِ " تَوَاتُرِ " مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ دَلِيلُ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا وَبِإِسْقَاطِ قَوْلِهِ وَبِهِ انْدَفَعَتْ الشُّبْهَةُ وَبِزِيَادَةِ لَفْظَةِ " عَدَمِ " فِي قَوْلِهِ وَبِتَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا كَمَا مَرَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ

(قَوْلُهُ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِيَّةِ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ تَأْمِينِهِ لِمَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ الْمَارِّ وَالْعِلْمُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ آمِينَ يَحْصُلُ بِالْفَرَاغِ عَنْ الْفَاتِحَةِ فَصَحَّ التَّعْلِيقُ بِالْقَوْلِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا اهـ.

لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا سَمِعَ الْمُقْتَدِي التَّأْمِينَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يُؤَمِّنُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى اهـ.

قَالَ فِي الشرنبلالية قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِهِمَا بَلْ الْحُكْمُ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ كَذَلِكَ اهـ.

أَيْ: لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>