للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَا مُطْلَقًا، فَلَيْسَ هُوَ كَالْإِمَامِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ، وَفِي آمِينَ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: أَفْصَحُهُنَّ وَأَشْهُرُهُنَّ آمِينَ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ، وَالثَّانِيَةُ: بِالْقَصْرِ وَالتَّخْفِيفِ وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ، وَالثَّالِثَةُ: بِالْإِمَالَةِ، وَالرَّابِعَةُ: بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ فَالْأُولَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْأَخِيرَتَانِ حَكَاهُمَا الْوَاحِدِيُّ فِي أَوَّلِ الْبَسِيطِ، وَلِهَذَا كَانَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ آمِينَ بِالتَّشْدِيدِ لَا تَفْسُدُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا لُغَةٌ وَلِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ لَهُ وَجْهًا كَمَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إنَّ مَعْنَاهُ: نَدْعُوك قَاصِدِينَ إجَابَتَك؛ لِأَنَّ مَعْنَى آمِينَ قَاصِدِينَ، وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا كَوْنَهَا لُغَةً وَحَكَمَ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ وَمِنْ الْخَطَأِ فِي اسْتِعْمَالِهَا أَمَّنَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ حَذْفِ الْيَاءِ مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا وَلَا يَبْعُدُ فَسَادُ الصَّلَاةِ فِيهِمَا.

(قَوْلُهُ وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ وَرَكَعَ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ، وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ» مَعْنَى قَوْلِهِ بِلَا مَدٍّ: حَذْفُهُ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ، وَهُوَ مَعْنَى مَا وَرَدَ التَّكْبِيرُ جَزَمَ بِهِ وَحَاصِلُهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ إشْبَاعِ الْحَرَكَةِ وَالتَّعَمُّقِ فِيهَا وَالْإِضْرَابِ عَنْ الْهَمْزَةِ الْمُفْرِطَةِ وَالْمَدِّ الْفَاحِشِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ مَدَّ أَلِفَ " اللَّهِ " لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَخِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إنْ كَانَ قَاصِدًا، وَكَذَا لَوْ مَدَّ أَلِفَ " أَكْبَرَ " أَوْ بَاءَهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ أَكْبَارَ جَمْعُ كَبَرٍ، وَهُوَ الطَّبْلُ وَقِيلَ اسْمٌ لِلشَّيْطَانِ، وَلَوْ مَدَّ هَاءَ " اللَّهِ " فَهُوَ خَطَأٌ لُغَةً، وَكَذَا لَوْ مَدَّ رَاءَهُ وَمَدَّ لَامَ " اللَّهِ " صَوَابٌ وَجَزْمُ الْهَاءِ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَقَدْ بَحَثَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ إذَا مَدَّ الْهَمْزَةَ مِنْ " اللَّهِ " تَفْسُدُ وَيَكْفُرْ إنْ تَعَمَّدَهُ لِلشَّكِّ بِأَنَّ الْهَمْزَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْرِيرِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ لَا كُفْرٌ وَلَا فَسَادٌ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي قَالَ: وَالرَّابِعُ التَّقْرِيرُ وَمَعْنَاهُ حَمْلُك الْمُخَاطَبَ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالِاعْتِرَافِ بِأَمْرٍ قَدْ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ ثُبُوتُهُ أَوْ نَفْيُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَلِيَهَا الشَّيْءُ الَّذِي يُقَرَّرُ بِهِ تَقُولُ فِي التَّقْرِيرِ بِالْفِعْلِ أَضْرَبْت زَيْدًا أَوْ بِالْفَاعِلِ أَأَنْتَ ضَرَبْت زَيْدًا أَوْ بِالْمَفْعُولِ أَزَيْدًا ضَرَبْت كَمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ اهـ.

وَلَيْسَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذْ لَيْسَ هُنَا مُخَاطَبٌ كَمَا لَا يَخْفَى

ــ

[منحة الخالق]

الْمَقْصُودَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْإِمَامِ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَلَكِنْ سَمِعَ تَأْمِينَ الْمُقْتَدِي مَعَهُ السَّامِعِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْعِلْمُ بِوُجُودِ تَأْمِينِ الْإِمَامِ

(قَوْلُهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ مَدَّ أَلِفَ " اللَّهِ " إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَدَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي " اللَّهِ " أَوْ فِي " أَكْبَرَ "، وَإِنْ كَانَ فِي " اللَّهِ " فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ فَهُوَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْإِكْفَارَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ شَاكٌّ فِي مَضْمُونِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَحَيْثُ كَانَ جَازِمًا فَلَا إكْفَارَ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَهُوَ صَوَابٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَالِغُ فِيهِ، فَإِنْ بَالَغَ حَتَّى حَدَثَ مِنْ إشْبَاعِهِ أَلِفٌ بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، قِيلَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ وَلَا تَفْسُدُ أَيْضًا وَعَلَى قِيَاسِ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيهِمَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْمَدُّ فِي " أَكْبَرَ " فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ فَهُوَ خَطَأٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَهَلْ يَكْفُرُ إذَا تَعَمَّدَهُ؟ قِيلَ نَعَمْ لِلشَّكِّ وَقِيلَ لَا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ حَتَّى صَارَ " أَكْبَارَ " لَا يَصِيرُ شَارِعًا، وَإِنْ قَالَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ تَفْسُدُ، وَفِي زَلَّةِ الْقَارِئِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ يَصِيرُ شَارِعًا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُقَيَّدًا بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمُخَالَفَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَقَدْ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الشُّرُوعُ بِهِ أَيْضًا كَذَا فِي شَرْحِ الْأُسْتَاذِ عَلَى الْهِدَايَةِ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ

(قَوْلُهُ وَخِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إنْ كَانَ قَاصِدًا) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الظَّاهِرُ أَنَّ مُجَرَّدَ قَصْدِ مَدِّ الْهَمْزَةِ لَا يُوجِبُ كُفْرًا بَلْ إذَا قَصَدَ الْمَعْنَى، وَهُوَ الِاسْتِفْهَامُ الْمُقْتَضِي سَبْقَ الشَّكِّ اهـ.

تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَفِي شَرْحِ الْمِعْرَاجِ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَلَوْ مَدَّ أَلِفَ " أَكْبَرُ " تَكَلَّمُوا فِي كُفْرِهِ وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ مَا نَصُّهُ: لِأَنَّهُ إنْ لَزِمَ الْكُفْرُ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا كَانَ كَلَامًا فِيهِ احْتِمَالُ الْكُفْرِ فَيُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ، وَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا شَرْعًا لِأَنَّ الْهَمْزَةَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى كَلَامٍ مَنْفِيٍّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح: ١] تَكُونُ لِلتَّقْرِيرِ لَا فِي كَلَامِ مُثْبَتٍ ظَاهِرٍ كَذَا قِيلَ وَأَيْضًا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ اهـ.

قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك ضَعْفُ هَذَا الْقِيلِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّقْرِيرِ دُخُولُهُ عَلَى مَنْفِيٍّ لِمَا أَنَّهُ حَمْلُ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَمْرٍ قَدْ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ ثُبُوتُهُ أَوْ نَفْيُهُ بَلْ أَغْلَبُ أَحْوَالِهِ دُخُولُهُ عَلَى الْمُثْبَتِ وَلِذَا أَوَّلُو التَّقْرِيرَ فِي {أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح: ١] بِمَا بَعْدَ النَّفْيِ وَالْهَمْزَةُ فِيهَا لَيْسَتْ فِي التَّحْقِيقِ إلَّا لِلْإِنْكَارِ الْإِبْطَالِيِّ، وَإِنْكَارُ النَّفْيِ نَفْيٌ لَهُ وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: ٣٦]

(قَوْلُهُ أَوْ بَاءَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ إشْبَاعٌ، وَهُوَ لُغَةُ قَوْمٍ، وَاسْتَبْعَدَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الشِّعْرِ وَقِيلَ هُوَ جَمْعُ كَبِيرٍ، وَفِي الْمُبْتَغَى لَا تَفْسُدُ وَقِيلَ تَفْسُدُ قَالَ الْحَلَبِيُّ فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْفَسَادِ وَعَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ صِحَّةُ الشُّرُوعِ بِهِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى زَلَّةِ الْقَارِئِ لِلشَّهِيدِ لَوْ قَالَ " اللَّهُ أَكْبَارٌ " يَصِيرُ شَارِعًا قُلْتُ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُخَالَفَةَ اهـ.

أَقُولُ: إذَا كَانَ جَمْعًا لِلْكَبِيرِ فَلَا أَثَرَ لِإِرَادَتِهِ الْمُخَالَفَةَ فِي اللَّفْظِ فَقَطْ

<<  <  ج: ص:  >  >>