للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّسْبِيحِ، وَقِيلَ: أَدْنَى الْقَوْلِ الْمَسْنُونِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَعَلَى كُلٍّ فَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ أَفْضَلُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى وِتْرٍ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُطِيلَ عَلَى وَجْهٍ يَمَلُّ الْقَوْمُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلتَّنْفِيرِ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَوْ كَانَ إمَامًا يَقُولُهَا ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقُولُهَا أَرْبَعًا حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْمُقْتَدِي مِنْ الثَّلَاثِ، وَلَوْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي لَا تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا: قَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَخْشَى عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا يَعْنِي الشِّرْكَ

وَقَدْ وَهِمَ بَعْضُهُمْ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ فَاعْتَقَدَ مِنْهُ أَنْ يَصِيرَ الْمُنْتَظِرُ مُشْرِكًا يُبَاحُ دَمُهُ فَأَفْتَى بِإِبَاحَةِ دَمِهِ وَهَكَذَا ظَنَّ صَاحِبُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ: يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَلَا يَكْفُرُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَلِطَ وَلَمْ يُرِدْهُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرَادَ أَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ الشِّرْكَ فِي عَمَلِهِ الَّذِي هُوَ الرِّيَاءُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْطَعْ بِالرِّيَاءِ فِي عَمَلِهِ لِمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ لَا بَاسَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ الْإِشْرَاكِ فِي الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: ١١٠] الْآيَةَ وَأَعْجَبُ مِنْهُ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيَكْفُرُ، ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنَّهُ مَأْجُورٌ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ حَسَنٌ وَعَنْهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَعْرِفَ الْجَائِيَّ فَلَا أَوْ لَا فَنَعَمْ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِغَيْرِ التَّسْبِيحَاتِ وَمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّوَافِلِ تَهَجُّدًا أَوْ غَيْرَهُ، لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّسْبِيحَاتِ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي التَّشَهُّدَ فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ وَاجِبَةٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ هَذَا الرَّفْعِ فِي عَدِّ الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ وَاكْتَفَى الْإِمَامُ بِالتَّسْمِيعِ وَالْمُؤْتَمُّ وَالْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» فَقَسَمَ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ فَكَانَ حُجَّةً عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْقَائِلَيْنِ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ وَحُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْمُقْتَدِي يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ أَيْضًا وَحَكَاهُ الْأَقْطَعُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ غَرِيبٌ فَإِنَّ صَاحِبَ الذَّخِيرَةِ نَقَلَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوَّلَ عَلَيْهَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهَا. الثَّانِي: أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ لَا غَيْرُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيعَ حَثٌّ لِمَنْ خَلْفَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ لِيَحُثَّهُ عَلَيْهِ فَلَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ.

الثَّالِثُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَا مَحْمَلَ لَهُ سِوَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الثَّالِثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَقَيَّدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِانْفِرَادِهِ بِصَلَاةِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُوَاظِبًا عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْفَرْضِ، وَحَيْثُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا رَأَيْت فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرْجِيحِ فَالْمُرَجِّحُ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ مَا فِي الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَالْمُرَجَّحُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ أَمَّا الْمُنْفَرِدُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا قَالَ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فِي الْجَوَابِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ.

وَفِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالتَّسْمِيعِ حَالَةَ الرَّفْعِ لَمْ يَأْتِ بِهِ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ، وَقَدْ قِيلَ: يَأْتِي بِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالتَّسْمِيعِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَمَعْنَاهُ قَبِلَ اللَّهُ حَمْدَ مَنْ حَمِدَهُ

وَقِيلَ أَجَابَ، وَقِيلَ غَفَرَ لَهُ وَالْهَاءُ فِي حَمِدَهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ: قَدْ رَأَيْت ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْمِنَّةُ فَفِي السِّرَاجِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا الْأَصَحُّ عَلَى قَوْلِ الرَّازِيّ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصِرَ الْمُنْفَرِدُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْحَلَبِيُّ وَتَصْحِيحُ الْهِدَايَةِ أَوْلَى. اهـ.

وَسَيَأْتِي أَنَّهُ الْمُرَجَّحُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَإِنَّ مَا فِي الْمَتْنِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ قَالُوا مَا عَدَا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>