للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْكِنَايَةِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الْحَمِيدِيَّةِ أَنَّهَا لِلسَّكْتَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّحْمِيدِ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَلْفَاظٍ: أَفْضَلُهَا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَيَلِيه: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَيَلِيه: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَيَلِيه الْمَعْرُوفُ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، فَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الثَّانِي فَمَحْمُولٌ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى مَا بَعْدَهُ لَا عَلَى الْكُلِّ كَمَا لَا يَخْفَى لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ زِيَادَةَ الْوَاوِ تُوجِبُ الْأَفْضَلِيَّةَ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا: فَقِيلَ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: عَاطِفَةٌ تَقْدِيرُهُ رَبَّنَا حَمِدْنَاك وَلَك الْحَمْدُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ حَالَ الِارْتِفَاعِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذُكِرَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ أَنَّ تَكْبِيرَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الرَّفْعِ تَكْبِيرٌ لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَرَوْضَةٍ النَّاطِفِيِّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ حَالَةَ الِارْتِفَاعِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا كَانُوا يُكَبِّرُونَ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» كَمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ الذِّكْرُ الَّذِي فِيهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى تَوْفِيقًا، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى.

(قَوْلُهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ بِعَكْسِ النُّهُوضِ) كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا سَجَدَ وَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ» وَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ يَضَعُ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا، ثُمَّ أَنْفَهُ، ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَإِذَا أَرَادَ الرَّفْعَ يَرْفَعُ أَوَّلًا جَبْهَتَهُ، ثُمَّ أَنْفَهُ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَمَّا إذَا كَانَ مُتَخَفِّفًا فَإِنَّهُ يَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى (قَوْلُهُ وَسَجَدَ بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) أَيْ سَجَدَ عَلَيْهِمَا لِتَحْصِيلِ الْأَكْمَلِ وَالْأَنْفُ اسْمٌ لِمَا صَلُبَ

، وَأَمَّا مَا لَانَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِهِمْ كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَالْجَبْهَةُ اسْمٌ لِمَا يُصِيبُ الْأَرْضَ مِمَّا فَوْقَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى قِصَاصِ الشَّعْرِ حَالَةَ السُّجُودِ، وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا مَا اكْتَنَفَهُ الْجَبِينَانِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ السُّجُودُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ لِطَأْطَأَةِ الرَّأْسِ وَالِانْحِنَاءِ وَلِلْخُضُوعِ وَلِلتَّوَاضُعِ وَلِلْمَيْلِ كَسَجَدَتْ النَّخْلَةُ: مَالَتْ، وَلِلتَّحِيَّةِ كَالسُّجُودِ لِآدَمَ تَكْرِمَةً لَهُ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ فَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ وَالصَّدْغُ وَمُقَدَّمُ الرَّأْسِ فَلَا يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَيْهَا

وَإِنْ كَانَ مِنْ عُذْرٍ بَلْ مَعَهُ يَجِبُ الْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَ تَعَالَى {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: ١٠٧] مَعَ أَنَّ الذَّقَنَ لَيْسَ مَحَلَّ السُّجُودِ؛ لِأَنَّ السَّاجِدَ أَوَّلَ مَا يَلْقَى بِهِ الْأَرْضَ مِنْ وَجْهِهِ الذَّقَنُ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ وَوَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ يَتَحَقَّقُ بِالْأَنْفِ كَمَا فِي الْجَبْهَةِ فَيَجُوزُ بِالْجَبْهَةِ وَحْدَهَا اتِّفَاقًا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَمَا فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ: مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى الْفَرْضُ عِنْدَهُمَا إلَّا بِوَضْعِهِمَا فَخِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ بِالْجَبْهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ لِلْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ السُّجُودُ، وَهُوَ مَا قُلْنَا

وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَلَا يَكُفُّ الثِّيَابَ وَالشَّعْرَ» فَلَا يُفِيدُ الِافْتِرَاضَ؛ لِأَنَّهُ ظَنِّيُّ الثُّبُوتِ قَطْعًا وَظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ " أُمِرْت " مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبُ هُوَ الْأَعَمُّ بِمَعْنَى طُلِبَ مِنِّي ذَلِكَ أَوْ فِي النَّدْبِ أَوْ فِي الْوُجُوبِ فَقَوْلُهُمَا بِالِافْتِرَاضِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُمَا يَمْنَعَانِهِ فِي الْأُصُولِ كَأَبِي حَنِيفَةَ فَلِذَا قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فَجَعَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْفَتْوَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُوَافِقَةِ لِقَوْلِهِمَا، لَمْ يُوَافِقْهُ دِرَايَةٌ وَلَا الْقَوِيُّ مِنْ الرِّوَايَةِ هَذَا وَلَوْ حُمِلَ قَوْلُهُمَا " لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ " عَلَى وُجُوبِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ إلَخْ) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ عِنْدَ ذِكْرِ الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا، وَالْأَصَحُّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ فِي السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ بِلَا عُذْرٍ فِي الْجَبْهَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ اهـ.

وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ، ثُمَّ فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ قَوْلَهُمَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْمَجْمَعِ: وَرُوِيَ عَنْهُ قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْحَقَائِقِ وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِهِمَا، قَالَ فِي الْعُيُونِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي دُرَرِ الْبِحَارِ: وَالْفَتْوَى رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ اهـ.

وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْحَصْكَفِيِّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَشُرُوحِهِ وَالْوِقَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْجَوْهَرَةِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْعُيُونِ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ رِوَايَةُ " وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ " غَيْرُ ضَائِرَةٍ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ وَالْإِشَارَةُ إلَى الْجَبْهَةِ تَقَعُ بِتَقْرِيبِ الْيَدِ إلَى جِهَةِ الْأَنْفِ لِلتَّقَارُبِ (وَقَوْلُهُ لَمْ يُوَافِقْهُ دِرَايَةٌ إلَخْ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَمُسَلَّمٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا لِمَا عَلِمْت مِمَّا مَرَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ بِأَنْ يُرَادَ بِالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ السُّجُودُ الشَّرْعِيُّ فَيَكُونُ مُجْمَلًا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ وَمُجْمَلُ الْكِتَابِ إذَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ يَكُونُ الْمُبَيَّنُ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السُّجُودَ اللُّغَوِيَّ أَيْضًا مُجْمَلٌ لِتَعَدُّدِ مَعَانِيهِ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ هَذَا لَوْ حُمِلَ قَوْلُهُمَا لَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كُتُبَ الْمَذْهَبِ مَشْحُونَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>