للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَمْعِ كَانَ أَحْسَنَ إذْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى مَا حَمَلْنَا الْكَرَاهَةَ مِنْهُ عَلَيْهِ مِنْ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَخْرُجَا عَنْ الْأُصُولِ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَقَوْلُ الْإِمَامِ بِكَرَاهَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ الْمُرَادُ بِهَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَهِيَ فِي مُقَابَلَةِ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَقَوْلُهُمَا لِعَدَمِ الْجَوَازِ الْمُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْحِلِّ، وَهُوَ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَالْمُوَاظَبَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ بِالْأَرْضِ» ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ كَالْجَبْهَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ الْمَنْقُولَةَ تَعُمُّهُمَا مَعَ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَالِاخْتِيَارِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ بِتَرْكِ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَكُرِهَ أَيْ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ الْجَبْهَةَ أَوْ الْأَنْفَ وَهِيَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنْصَرِفَةٌ إلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَهَكَذَا فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ ضَعِيفٌ وَخَرَجَ أَيْضًا بِقَوْلِنَا: " مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ " مَا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِهِمَا بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، وَيَكْفِيه وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ لَمْ يَضَعْ الْأَصَابِعَ أَصْلًا وَوَضَعَ ظَهْرَ الْقَدَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْقَدَمِ بِوَضْعِ الْأُصْبُعِ وَإِذَا وَضَعَ قَدَمًا وَرَفَعَ آخَرَ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا أَفَادَهُ قَاضِي خَانْ وَذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ وَضْعَهُمَا سُنَّةٌ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً وَالْأَوْجَهُ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَ هُوَ الْوُجُوبُ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً لِمَا سَبَقَ مِنْ الْحَدِيثِ

وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ وَضْعَهُمَا فَرْضٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا الْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ افْتِرَاضِ وَضْعِهِمَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ فَتْوَى مَشَايِخِنَا، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَنَا وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الِافْتِرَاضَ وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ إنَّمَا أَفَادَ وَضْعَ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ دُونَ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالظَّنِّيُّ الْمُتَقَدِّمُ لَا يُفِيدُهُ، لَكِنَّ مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ الْوُجُوبُ، وَقَدْ اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ لِمُوَافَقَتِهِ الْأُصُولَ، وَإِنْ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا بِالسُّنِّيَّةِ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى: سَجَدَ عَلَى طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ جَبْهَتِهِ يَجُوزُ اهـ.

وَظَاهِرُ مَا فِي التَّجْنِيسِ

ــ

[منحة الخالق]

بِنَصْبِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، وَهُوَ يُبْعِدُ الْحَمْلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ بِمَا ذُكِرَ بِمَرَاحِلَ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَتَبِّعِ، كَيْفَ وَلَفْظُ الْمَبْسُوطِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْأَنْفِ دُونَ الْجَبْهَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُكْرَهُ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ ضَعِيفٌ) أَيْ عَدَمُ كَرَاهَةِ تَرْكِ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ، قَالَ فِي النَّهْرِ: لَوْ حُمِلَتْ الْكَرَاهَةُ فِي رَأْيِ مَنْ أَثْبَتَهَا عَلَى التَّنْزِيهِ وَمَنْ نَفَاهَا عَلَى التَّحْرِيمِيَّةِ لَارْتَفَعَ التَّنَافِي، وَعِبَارَتُهُ فِي السِّرَاجِ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَهُمَا اهـ.

لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَفِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْجَبْهَةِ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَنْفِ عُذْرٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ فِي مَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ وَأَنَّهُ بِهِ يُفْتَى، وَفِي الِاخْتِيَارِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى جَبْهَتِهِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا إسَاءَةَ بَعْدَ أَنْ قَالَ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَنْفِ جَازَ وَقَدْ أَسَاءَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ اهـ كَلَامُهُ، فَلْيُتَأَمَّلْ.

وَيُبْعِدُ مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ قَوْلُ الْمَتْنِ وَكُرِهَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ نَظَرًا إلَى تَرْكِ السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ لَكِنْ سَيَأْتِي حَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى طَلَبِ الْكَفِّ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ أَيْضًا بِقَوْلِنَا " مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ " مَا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ وَضْعَ الْقَدَمَيْنِ مِنْ مَاهِيَّةِ السُّجُودِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُهُ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِهِ بِالْجَبْهَةِ أَوْ الْأَنْفِ وَإِذَا كَانَ مِنْ مَاهِيَّةِ السُّجُودِ فَهُوَ فَرْضٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَسَيَأْتِي تَضْعِيفُهُ وَعَلَى أَنَّ مَا عَلَّلَ بِهِ يَجْرِي فِي الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ فَمَا وَجْهُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ؟ وَفِي الْعِنَايَةِ ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخِ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ، وَهُوَ الْحَقُّ اهـ.

قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بَعْدَ ذِكْرِ صَاحِبِ الدُّرَرِ ذَلِكَ لِأَنَّ السُّجُودَ لَا يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُصَفَّى وَلِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ السُّجُودُ عَلَى الْوَجْهِ، وَهُوَ بِكُلِّهِ مُتَعَذِّرٌ فَكَانَ الْمُرَادُ بَعْضَهُ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى مُقَابِلِهِ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ، ثُمَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُوَفَّقَ هَاهُنَا بَيْنَ هَذَا وَمَا سَبَقَ آنِفًا مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ بِأَنَّ عَدَمَ الْفَرْضِيَّةِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجَوَازِ الْحِلُّ اهـ.

لَكِنَّ الْعَلَّامَةَ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيَّ قَدْ رَدَّ مَا قَالَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَحَقَّقَ فَرْضِيَّةَ الْقَدَمَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا تَبَعًا لِلْمُنْيَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِ الْقَدَمِ وَضْعُ أَصَابِعِهِ مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ فَرَاجِعِهِ مُتَأَمِّلًا، وَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ: أَنْ يُحَرِّفَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي السُّجُودِ لِتَرْكِ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلَخْ) قَدْ يُمْنَعُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ثُبُوتِ الْإِجْمَالِ فِي الْآيَةِ مَعَ بَيَانِ السُّنَّةِ لَهَا (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَى قَوْلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا الْحَمْلُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ الطَّرَفَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ مُنْتَهَى كُلِّ شَيْءٍ كَذَا ذَكَرَهُ مَوْلَانَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ التُّمُرْتَاشِيُّ قَالَ فَيُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَقُولُ: الَّذِي فِي الْقَامُوسِ وَالطَّرَفُ مُحَرَّكًا النَّاحِيَةُ وَالطَّائِفَةُ مِنْ الشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>