للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَطْنَهُ عَنْ فَخْذَيْهِ)

أَيْ بَاعَدَهُ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ بُهَيْمَةً أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ» وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخْذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخْذَيْهِ» وَبُهَيْمَةٌ تَصْغِيرُ بَهْمَةٍ وَلَدُ الشَّاةِ بَعْدَ السَّخْلَةِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا تَضَعُهُ أُمُّهُ يَكُونُ سَخْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ بَهْمَةً وَهِيَ بِصِيغَةِ الْمُكَبَّرِ

فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَذَكَرَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ أَنَّ الصَّوَابَ التَّصْغِيرُ، قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ فِي الْإِبْدَاءِ وَالْمُجَافَاةِ أَنْ يَظْهَرَ كُلُّ عُضْوٍ بِنَفْسِهِ فَلَا تَعْتَمِدُ الْأَعْضَاءُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا ضِدُّ مَا وَرَدَ فِي الصُّفُوفِ مِنْ الْتِصَاقِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الِاتِّحَادُ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ حَتَّى كَأَنَّهُمْ جَسَدٌ وَاحِدٌ وَلِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَأَبْلَغُ فِي تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مِنْ الْأَرْضِ وَأَبْعَدُ مِنْ هَيْئَاتِ الْكَسَالَى فَإِنَّ الْمُنْبَسِطَ يُشْبِهُ الْكَلْبَ وَيُشْعِرُ بِالتَّهَاوُنِ بِالصَّلَاةِ وَقِلَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِهَا (قَوْلُهُ وَوَجَّهَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضَهُمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» وَنَصَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَجِّهْ الْأَصَابِعَ نَحْوَهَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، ثُمَّ الظَّاهِرُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا قَابِضَهُمَا» أَنَّهُ نَاشِرٌ أَصَابِعَهُ عَنْ بَاطِنِ كَفَّيْهِ بِدَلِيلِ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ فَنَشَرَ أَصَابِعَهُ مِنْ الطَّيِّ ضَامًّا بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ» وَمِنْ هُنَا نَصَّ مَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ يَضُمُّ أَصَابِعَهُ كُلَّ الضَّمِّ فِي السُّجُودِ.

قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي السُّجُودِ فَبِالضَّمِّ يَنَالُ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ وَسَبَّحَ فِيهِ ثَلَاثًا) أَيْ فِي السُّجُودِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ (قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ وَتَلْزَقُ بَطْنَهَا بِفَخْذَيْهَا) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا فَإِنَّهَا عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ فَقَالَ إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ» وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي عَشْرِ خِصَالٍ تَرْفَعُ يَدَيْهَا إلَى مَنْكِبَيْهَا وَتَضَعُ يَمِينَهَا عَلَى شِمَالِهَا تَحْتَ ثَدْيَيْهَا وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخْذَيْهَا وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى فَخْذَيْهَا تَبْلُغُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا رُكْبَتَيْهَا وَلَا تَفْتَحُ إبْطَيْهَا فِي السُّجُودِ وَتَجْلِسُ مُتَوَرِّكَةً وَلَا تُفَرِّجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ وَتَقُومُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ اهـ.

وَيُزَادُ عَلَى الْعَشْرِ أَنَّهَا لَا تَنْصِبُ أَصَابِعَ الْقَدَمَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهَا الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهَا الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّة بَلْ قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِالْفَسَادِ إذَا جَهَرَتْ لَأَمْكَنَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَالتَّتَبُّعُ يَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَالْأَحْسَنُ عَدَمُ الْحَصْرِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا وَجَلَسَ مُطْمَئِنًّا) يَعْنِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْجُلُوسَ مَسْنُونٌ

ــ

[منحة الخالق]

بَطْنَهُ إلَخْ) قَالَ الْفَاضِلُ الْبُرْجَنْدِيُّ فَلَعَلَّهُ أَيْ صَاحِبَ الْكَافِي أَرَادَ بِعَدَمِ الْمُجَافَاةِ عَدَمَ إبْدَاءِ الضَّبُعَيْنِ اهـ.

قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي أَقُولُ: هَذِهِ الْإِرَادَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فَلَا تَدْفَعُ الْإِيرَادَ، وَقَالَ فِي النَّهْرِ إنَّ بَيْنَهُمَا تَلَازُمًا عَادِيًّا قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي أَقُولُ: دَعْوَى الْمُلَازَمَةِ بَيْنَهُمَا مَمْنُوعَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ كَانَ «إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ» الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ بِدُونِ زِيَادَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَوَجَّهَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ فِي سُجُودِهِ، وَهُوَ سُنَّةٌ كَمَا عَدَّهُ فِي زَادِ الْفَقِيرِ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَيَأْتِي عَنْ التَّجْنِيسِ، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ تَوْجِيهُ الْأَصَابِعِ كَذَلِكَ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَجِّهْ يُكْرَهُ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي فِي سُنَنِ السُّجُودِ: وَتَوْجِيهُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَأَنَامِلِ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ اهـ.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ انْحِرَافُ أَصَابِعِهِمَا عَنْ الْقِبْلَةِ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ فَتَوْجِيهُهَا نَحْوَهَا سُنَّةٌ كَمَا فِي الْجَلَّابِيِّ اهـ.

أَقُولُ: وَصَرَّحَ بِالسُّنِّيَّةِ فِي الضِّيَاءِ أَيْضًا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ وَضْعَ الْقَدَمَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي السُّجُودِ فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ لَا فِي تَوْجِيهِ الْأَصَابِعِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَنَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ قَالَ فِي كِتَابِهِ زَادِ الْفَقِيرِ وَمِنْهَا أَيْ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ: السُّجُودُ وَيَكْفِي فِيهِ وَضْعُ جَبْهَتِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَا الْأَنْفُ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ وَمِنْهَا: تَوْجِيهُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَوَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقَدَمَيْنِ اهـ.

فَانْظُرْ حَيْثُ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْقَدَمَيْنِ أَيْ فِي وَضْعِهِمَا دُونَ تَوْجِيهِ الْأَصَابِعِ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا، وَكَذَا اخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ كَوْنَ وَضْعِ الْقَدَمَيْنِ وَاجِبًا، ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا مِنْ سُنَنِ السُّجُودِ تَوْجِيهَ الْأَصَابِعِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَ هُنَا فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ أَيْضًا فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ الْجَلِيلَةَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

(قَوْلُهُ وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى فَخْذَيْهَا إلَخْ) أَيْ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الرَّجُلِ كَمَا سَيَأْتِي وَحَمَلَهُ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>