اهـ.
وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فَتَرْكُهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْي وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ النُّهُوضِ وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيُمْنَى وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْكَرَاهَةِ دَلِيلًا وَذَكَرَهَا فِي الْمُجْتَبَى مَرْوِيَّةً عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
(قَوْلُهُ وَالثَّانِيَةُ كَالْأُولَى) أَيْ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ وَالْآدَابِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُثْنِي) أَيْ لَا يَأْتِي بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَةِ دُونَ أَثْنَائِهَا وَلِذَا سُمِّيَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَعَوَّذُ) ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ فَلَا يَتَكَرَّرُ إلَّا بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ كَمَا لَوْ تَعَوَّذَ وَقَرَأَ، ثُمَّ سَكَتَ قَلِيلًا وَقَرَأَ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يَتَعَوَّذَ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي فقعس صمعج) أَيْ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ النَّفْيَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْأَيْدِي وَقْتَ الدُّعَاءِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ فَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَلَا عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَلَا تَكْبِيرَاتِ الْجَنَائِزِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهُمَا حَتَّى انْصَرَفَ» وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» وَشُمْسٌ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ جَمْعُ شَمُوسٍ بِفَتْحِهَا وَضَمِّ الْمِيمِ أَيْ صَعْبٍ وَاعْتِرَاضُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِهِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ بِأَنَّ هَذَا الرَّفْعَ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا، رُدَّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يُقَالُ لَهُ اُسْكُنْ فِي الصَّلَاةِ وَبِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْإِيمَاءُ حَالَ التَّسْلِيمِ
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَاعْلَمْ، أَنَّ الْآثَارَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالطُّرُقَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرَةٌ جِدًّا وَالْكَلَامُ فِيهَا وَاسِعٌ مِنْ جِهَةِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْقَدْرُ الْمُتَحَقِّقُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثُبُوتُ رِوَايَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الرَّفْعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ كَمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَدَمُهُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّرْجِيحِ لِقِيَامِ التَّعَارُضِ، وَيَتَرَجَّحُ مَا صِرْنَا إلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ أَقْوَالٌ مُبَاحَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَأَفْعَالٌ مِنْ جِنْسِ هَذَا الرَّفْعِ، وَقَدْ عُلِمَ نَسْخُهَا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَيْضًا مَشْمُولًا بِالنَّسْخِ خُصُوصًا، وَقَدْ ثَبَتَ مَا يُعَارِضُهُ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ بِخِلَافِ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالُ عَدَمِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا عُهِدَ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ مِنْ جِنْسِ السُّكُونِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ مَا أُجْمِعَ عَلَى طَلَبِهِ فِي الصَّلَاةِ أَعْنِي الْخُشُوعَ، وَكَذَا بِأَفْضَلِيَّةِ الرُّوَاةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْأَوْزَاعِيِّ فِي الْحِكَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُمَا وَأَفَادَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ سُنِّيَّةَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ: ثَلَاثَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَالْفَاءُ لِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالْقَافُ لِلْقُنُوتِ وَالْعَيْنُ لِلْعِيدَيْنِ، وَخَمْسَةٌ فِي الْحَجِّ: فَالسِّينُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَالصَّادُ عِنْدَ الصُّعُودِ عَلَى الصَّفَا وَالْمِيمُ لِلْمَرْوَةِ وَالْعَيْنُ لِعَرَفَاتٍ وَالْجِيمُ لِلْجَمَرَاتِ وَالرَّفْعُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بِحِذَاءِ الْأُذُنَيْنِ، وَفِي الْخَمْسَةِ تَفْصِيلٌ فَفِي اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى يَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (وَ) بِعَرَفَاتٍ يَرْفَعُهُمَا كَالدُّعَاءِ بَاسِطًا يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْمَنَاسِكِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَجَلَسَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فِي الْحِكَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُمَا) ، وَهُوَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَ الْأَوْزَاعِيِّ بِمَكَّةَ فِي دَارِ الْحَنَّاطِينَ كَمَا حَكَى ابْنُ عُيَيْنَةَ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَا بَالُكُمْ لَا تَرْفَعُونَ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ؟ فَقَالَ لِأَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْءٌ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَيْفَ لَمْ يَصِحَّ، وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَعِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ» فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَرْفَعُ إلَّا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ» فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أُحَدِّثُك عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَتَقُولُ حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَانَ حَمَّادٌ أَفْقَهَ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ وَعَلْقَمَةُ لَيْسَ بِدُونِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِنْ كَانَتْ لِابْنِ عُمَرَ صُحْبَةٌ وَلَهُ فَضْلٌ فَالْأَسْوَدُ لَهُ فَضْلٌ كَثِيرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ فَرَجَّحَ بِفِقْهِ الرُّوَاةِ لَمَّا رَجَّحَ الْأَوْزَاعِيُّ بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ عِنْدَنَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute