للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّهَايَةِ أَوْ ثَلَاثًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصَحَّحَ التَّخْيِيرَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَفِي الْمُحِيطِ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَلَوْ سَبَّحَ فِيهِمَا وَلَمْ يَقْرَأْ لَمْ يَكُنْ مُسِيئًا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا شُرِعَتْ عَلَى سَبِيلِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ حَتَّى قَالُوا: يَنْوِي بِهَا الذِّكْرَ وَالثَّنَاءَ دُونَ الْقِرَاءَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ شُرِعَتْ الْمُخَافَتَةُ فِيهَا فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْأَذْكَارِ وَلِذَا تَعَيَّنَتْ الْفَاتِحَةُ لِلْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا ذِكْرٌ وَثَنَاءٌ، وَإِنْ سَكَتَ فِيهِمَا عَمْدًا يَكُونُ مُسِيئًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَفِي الْبَدَائِعِ إنَّ التَّخْيِيرَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ، وَهُوَ الصَّارِفُ لِلْمُوَاظَبَةِ عَنْ الْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا لَكِنَّ مُقْتَضَى أَثَرِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا بِالسُّكُوتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَلَى خِلَافِهِ، وَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ أَفْضَلُ وَلَيْسَ بِمُنَافٍ لِلتَّخْيِيرِ كَالْحَلْقِ مَعَ التَّقْصِيرِ وَصَوْمِ الْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يَنْوِي الذِّكْرَ وَالثَّنَاءَ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، فَقَالَتْ: لِيَكُنْ عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَيْضِ أَنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالْقَصْدِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَرَى بِهِ فِي الْفَاتِحَةِ فَيَنْبَغِي كَذَلِكَ هُنَا وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِنِيَّةِ الْقُرْآنِ يَضُمُّ إلَيْهَا السُّورَةَ اهـ.

وَكَانَ وَجْهُهُ الْقِيَاسَ عَلَى الْأُولَيَيْنِ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ صِحَّتِهِ لِمَا عُهِدَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ التَّخْفِيفِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا مُبَاحَةٌ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفُ ذَلِكَ» ، وَلِهَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَتَبِعَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ السُّورَةَ مَشْرُوعَةٌ نَفْلًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ حَتَّى لَوْ قَرَأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ سَاهِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى الِاكْتِفَاءَ بِهَا لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى تَعْلِيمِ الْجَوَازِ وَيُحْمَلُ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الِاخْتِيَارِ مِنْ كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالسُّكُوتِ وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ إلَخْ وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ: وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَرَأَ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ وَلَا سَجْدَتَا سَهْوٍ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَكِنَّ الْقِرَاءَةَ أَفْضَلُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ اهـ.

عِبَارَةُ قَاضِي خَانْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ: وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَلَمْ يُسَبِّحْ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي السَّهْوِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ اهـ.

إنَّمَا نَقَلْنَا عِبَارَاتِهِمْ بِنُصُوصِهَا لِيَتَّضِحَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اشْتِبَاهٍ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ السُّنَّةَ مُطْلَقُ الذِّكْرِ لَكِنَّ كَوْنَهُ بِالْفَاتِحَةِ أَفْضَلُ فَلَوْ سَبَّحَ لَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَكَتَ فَصَارَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ لَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ السُّكُوتِ بَلْ السُّكُوتُ مَكْرُوهٌ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِيَارَ بَيْنَ الْأُولَيْنِ فَقَطْ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا فِي غَيْرِهِ فَيُكْرَهُ السُّكُوتُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي، وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَى كُلٍّ فَلَيْسَ تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ هُوَ السُّنَّةُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ السُّكُوتُ مَكْرُوهًا عَلَى الْأَوَّلِ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ سُنَّةً بِالنَّظَرِ إلَى السُّكُوتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ وَسَكَتَ يُكْرَهُ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَلَمَّا كَانَ غَيْرَ مَكْرُوهٍ عَلَى الثَّانِي لَمْ تَكُنْ الْقِرَاءَةُ سُنَّةً بَلْ هِيَ أَفْضَلُ عَلَى الْأَوَّلِ بِالنَّظَرِ إلَى التَّسْبِيحِ فَلِذَا اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ أَفْضَلُ كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ شُرِعَتْ الْمُخَافَتَةُ فِيهَا) أَيْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنَّ مُقْتَضَى أَثَرِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى تَضْعِيفِ كَلَامِ الْمُحِيطِ بِأَنَّ مُقْتَضَى أَثَرِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا بِالسُّكُوتِ لِعِلْمِ عَدَمِ الْإِسَاءَةِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ بِالْأَوْلَى وَلِيُشِيرَ إلَى مُخَالَفَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَطْ لِكَلَامِ الْمُحِيطِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ اخْتَارَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِلْأَثَرِ الْوَارِدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ مَا فِي السِّرَاجِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا يَخْفَى مَا بَيْنَ دَعْوَى الْإِبَاحَةِ وَأَنَّ التَّرْكَ أَوْلَى مِنْ التَّنَافِي إذْ الْمُبَاحُ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ وَالْمَنْدُوبُ مَا تَرَجَّحَ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ أَقُولُ:: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبَاحَةِ الْحِلُّ لِاسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّورَةَ مَشْرُوعَةٌ نَفْلًا تَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>