للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ سَلَامٌ عَلَيْك بِالتَّنْكِيرِ وَبِهَذَا أَخَذَ الشَّافِعِيُّ

وَقَالَ: إنَّهُ أَكْمَلُ التَّشَهُّدِ وَرَجَّحَ مَشَايِخُنَا تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ بِوُجُوهٍ عَشْرَةٍ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَحْسَنُهَا: أَنَّ حَدِيثَهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَاتَّفَقَ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ أَحَادِيثِ التَّشَهُّدِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ حَتَّى قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِمَّنْ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ يُعَلِّمُهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَالْقُرْآنِ، ثُمَّ وَقَعَ لِبَعْضِ الشَّارِحِينَ أَنَّهُ قَالَ وَالْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى فَيُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ تَشَهَّدَ بِغَيْرِهِ كَانَ آتِيًا بِالْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّشَهُّدَ وَاجِبًا وَعَيَّنُوهُ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَكَانَ وَاجِبًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّشَهُّدِ حَرْفًا أَوْ يَبْتَدِئَ بِحَرْفٍ قَبْلَ حَرْفٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَوْ نَقَصَ مِنْ تَشَهُّدِهِ أَوْ زَادَ فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ أَذْكَارَ الصَّلَاةِ مَحْصُورَةٌ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا اهـ.

وَإِذَا قُلْنَا بِتَعَيُّنِهِ لِلْوُجُوبِ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً وَهِيَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْقَعْدَةِ الْأَوْلَى فَلَا يَأْتِي بِالصَّلَاةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فِيهَا، لِلْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ إنْ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ نَهَضَ حِينَ فَرَغَ مِنْ تَشَهُّدِهِ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، فَإِنْ زَادَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَخْفَى وُجُوبُ إعَادَتِهَا، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ وَالْمَشَايِخُ وَالْمُخْتَارُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَجِبُ السُّجُودُ لِلسَّهْوِ إذَا قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ لَا لِأَجْلِ خُصُوصِ الصَّلَاةِ بَلْ لِتَأْخِيرِ الْقِيَامِ الْمَفْرُوضِ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّهُ إذَا زَادَ حَرْفًا وَاحِدًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ أَوْ الْكَلِمَةَ يَسِيرٌ يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ مِنْ أَنَّ السُّجُودَ لَا يَجِبُ حَتَّى يَقُولَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ حَاصِلٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حَتَّى يُؤَخِّرَ مُقَدَّرَ مَا يُؤَدِّي رُكْنًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ) يَعْنِي فِي الْفَرَائِضِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الثَّالِثَةَ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ يَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ إذْ لَا تَشْمَلُ الْمَغْرِبَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَةَ الْقِرَاءَةِ فِيمَا بَعْدَهُمَا لِلِاخْتِلَافِ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبَهَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَالسُّكُوتِ قَدْرَ تَسْبِيحَةٍ كَمَا فِي

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ التَّشَهُّدُ وَاجِبٌ أَيْ التَّشَهُّدُ الْمَرْوِيُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ لَا وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ وَمَنْ صَبَغَ يَدَهُ فِي الْفِقْهِ وَعَلِمَ حَقِيقَةَ اصْطِلَاحِهِمْ رَضِيَهُ، تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ قَرِيبًا مِمَّا قُلْتُ: فَإِنَّهُ قَالَ وَأَقُولُ: عِبَارَةُ بَعْضِهِمْ بَعْدَ سَبْرِ وُجُوهِ تَرْجِيحَاتِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ لَهُ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ وَعَلَيْهِ فَالْكَرَاهَةُ السَّابِقَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ اهـ.

وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. وَأَقُولُ: لَوْ قُلْنَا تَحْرِيمِيَّةٌ فَالْمُرَادُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ عَلَى الْمَرْوِيِّ بِمُطْلَقِهِ تَأَمَّلْ. اهـ.

(وَقَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ) أَيْ وَظَهَرَ ضَعْفُ مَا ذَكَرَهُ قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالْأَوَّلُ وَهُوَ زِيَادَةُ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى فَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ تَأَمَّلْ اهـ.

وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَكَلَامُهُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ مَا رَجَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ كَمَا نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ) أَقُولُ: مَا فِي الذَّخِيرَةِ لَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمِقْدَارِ أَدَاءِ الرُّكْنِ مِقْدَارُ أَدَاءِ أَقْصَرِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ قَدْرُ تَسْبِيحَةٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَدْرَ زِيَادَةِ الْحَرْفِ وَنَحْوِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي جِنْسِ مَا يَجِبُ بِهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ مِقْدَارُ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ فِي الْجَهْرِ فِيمَا يُخَافِتُ وَعَكْسُهُ وَكَمَا فِي التَّفَكُّرِ حَالَ الشَّكِّ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي بَابِ السَّهْوِ، وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ يَشْغَلُ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ لِأَنَّهُ زَمَنٌ قَلِيلٌ يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّسْبِيحِ أَوْ السُّكُوتِ اهـ.

كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ) عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَلَوْ سَبَّحَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ مَكَانَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَوْ سَكَتَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا إنْ كَانَ عَامِدًا وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ سَاهِيًا، كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>