الْإِجْمَاعِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ تَرَجَّحَ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهَا مِنْ الدُّعَاءِ، بِالرَّغْمِ وَالْإِبْعَادِ وَالشَّقَاءِ وَالْوَصْفِ بِالْبُخْلِ وَالْجَفَاءِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْوَعِيدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى التَّرْكِ مِنْ عَلَامَاتِ الْوُجُوبِ، وَلَعَلَّ السَّرَخْسِيَّ ظَنَّ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ قَائِلٌ بِالِافْتِرَاضِ فَرَدَّهُ
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِالْوُجُوبِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَنَا لِمَا أَنَّ مُسْتَنَدَهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَكُونُ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَسُنَّةً وَمُسْتَحَبَّةً وَمَكْرُوهَةً، فَالْأَوَّلُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةٌ، وَالثَّانِي كُلَّمَا ذُكِرَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالثَّالِثُ فِي الصَّلَاةِ، وَالرَّابِعُ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَالْخَامِسُ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ التَّشَهُّدِ فِي الْقُعُودِ الْأَخِيرِ، وَظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَ سَمَاعِ اسْمِهِ كُلَّ مَرَّةٍ وَهَذَا أَصَحُّ اهـ.
مَحْمُولٌ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا قَدَّمْنَا وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ حَرَامًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا فَتَحَ التَّاجِرُ مَتَاعَهُ وَصَلَّى، وَكَذَا فِي الْفُقَّاعَيْ، وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ فِي كَيْفِيَّتِهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا اخْتِلَافٌ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ ضَابِطُ الْمَذْهَبِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكَتْ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ " فِي الْعَالَمِينَ " وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا مَرْفُوعًا، وَنُقِلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ تَكْرَارِ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ
وَفِي إفْصَاحِ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ذَكَرَ الصَّلَاةَ الْمَنْقُولَةَ عَنْهُ مَعَ زِيَادَةِ " فِي الْعَالَمِينَ " وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ فَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا ضَعِيفٌ وَمَعْنَى الصَّلَاةِ الرَّحْمَةُ وَإِنَّمَا كَرَّرَ حَرْفَ الْجَرِّ فِي الْآلِ لِلْإِشَارَةِ إلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ آلِهِ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ فِيهِمْ: فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ قَرَابَتُهُ الَّذِينَ حَرُمَتْ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْأُمَّةِ، وَالتَّشْبِيهُ.
ــ
[منحة الخالق]
الطَّحَاوِيَّ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ كُلَّمَا سَمِعَ اسْمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اسْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَحْرِيمًا عَلَى مَا مَرَّ فَضْلًا عَنْ الْوُجُوبِ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي قُعُودِ التَّشَهُّدِ الثَّانِي وَاجِبَةٌ وَلَا يُنَافِيه مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ إلَى " عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ " لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ التَّشَهُّدُ وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ. اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ عَنْ اللُّزُومِ بِأَنَّ الْوُجُوبَ مُخَصَّصٌ بِغَيْرِ الذَّاكِرِ لِحَدِيثِ «مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ» كَمَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ مُشِيرًا إلَى الْجَوَابِ عَمَّا أَوْرَدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى الطَّحَاوِيِّ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَخْلُو عَنْ ذِكْرِهِ فَلَوْ وَجَبَتْ كُلَّمَا ذُكِرَ، لَمْ يُوجَدْ فَرَاغٌ مِنْهَا مُدَّةً مِنْ الْعُمُرِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إنَّ مَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ غَرِيبٌ مُصَادِمٌ لِسَائِرِ عِبَارَاتِهِمْ، وَيُجَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ بِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ مُسَاوٍ لِلْمَنْطُوقِ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ التَّعْظِيمَ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الذِّكْرِ مِنْهُ وَالذِّكْرِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُلْحَقًا بِالثَّانِي دَلَالَةً نَحْوُ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} [النساء: ١٠] اهـ.
وَالْجَوَابُ عَمَّا أَوْرَدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ ذَلِكَ مُخَصَّصٌ عَقْلًا لِأَنَّ التَّسَلْسُلَ مُحَالٌ لِذَاتِهِ وَالتَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا إجْمَاعًا، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ، وَقَدْ وَافَقَ الطَّحَاوِيَّ فِي الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَاللَّخْمِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَابْنُ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ ذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفَجْرِ الْمُنِيرِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ حَدِيثَ «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» ثُمَّ قَالَ وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ كُلَّمَا ذُكِرَ، وَهُوَ الَّذِي إلَيْهِ أَمِيلُ.
(قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي أَوَّلِ بُلُوغِهِ صَلَاةً أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ فِي تَشَهُّدِهِ عَنْ الْفَرْضِ وَوَقَعَتْ فَرْضًا وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الِابْتِدَاءِ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ اهـ.
أَقُولُ: نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْإِنْسَانِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً إنْ شَاءَ جَعَلَهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ مَعَ زِيَادَةِ فِي الْعَالَمِينَ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الْإِفْصَاحِ أَيْ إفْصَاحِ ابْنِ هُبَيْرَةَ زِيَادَةُ " فِي الْعَالَمِينَ " بَعْدَ " كَمَا صَلَّيْت " أَيْضًا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ لَكِنْ لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ مَنْ رَوَاهَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مَنْ خَرَّجَهَا مِنْ الْحُفَّاظِ وَلَا ثُبُوتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت إلَى قَوْلِهِ وَسَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَبًا لِلْمُسْلِمِينَ) قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ قَدْ اشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ سُؤَالٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَكَيْفَ تَطْلُبُ صَلَاةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُشْبِهُ الصَّلَاةَ عَلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَذُكِرَ فِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ: قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ
وَقِيلَ: سَأَلَ صَلَاةً يَتَّخِذُهُ بِهَا خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَقِيلَ: أَرَادَ الْمُشَابَهَةَ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ لَا فِي قَدْرِهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ} [البقرة: ١٨٣]