فَشَمِلَ الطَّوِيلَةَ وَالْقَصِيرَةَ وَالْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ وَمَا كَانَ مُسَمَّاهُ حَرْفًا فَيَجُوزُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: ٢١] {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: ٦٤] {ص} [ص: ١] {ق} [ق: ١] {ن} [القلم: ١] وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا قَارِئًا كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي {ص} [ص: ١] وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ نَحْوَ {ص} [ص: ١] لَيْسَ بِآيَةٍ لِعَدَمِ انْطِبَاقِ تَعْرِيفِهَا عَلَيْهَا، وَأَمَّا فِي نَحْوِ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: ٦٤] فَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّ {ص} [ص: ١] وَنَحْوَهُ حَرْفٌ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّهُ غَلَطٌ فَإِنَّهَا كَلِمَةٌ مُسَمَّاهَا حَرْفٌ وَلَيْسَ الْمَقْرُوءَ، وَإِنَّمَا الْمَقْرُوءُ صَادٌ وَقَافٌ وَنُونٌ وَأَفَادَ لَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ فِي رَكْعَةٍ وَنِصْفَهَا فِي أُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ تَعْدِلُهَا فَلَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ آيَةٍ وَصَحَّحَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَعُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّ كَوْنَ الْمَقْرُوءِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ النِّصْفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ الْمَقْرُوءُ يَبْلُغُ مَا يُعَدُّ بِقِرَاءَتِهِ قَارِئًا عُرْفًا وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِرَارًا حَتَّى بَلَغَ قَدْرَ آيَةٍ تَامَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْآيَةَ لَا يَلْزَمُهُ التَّكْرَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالُوا: وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ التَّكْرَارُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا مَنْ يُحْسِنُ ثَلَاثَ آيَاتٍ إذَا كَرَّرَ آيَةً وَاحِدَةً ثَلَاثًا فَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ عِنْدَهُمَا
وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَفِي الْمُضْمَرَات شَرْحِ الْقُدُورِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ حِفْظَ قَدْرِ مَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] وَحِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَحِفْظُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.
(قَوْلُهُ وَسُنَّتُهَا فِي السَّفَرِ الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ» وَلِأَنَّ السَّفَرَ أَثَّرَ فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَحَالَةَ الْعَجَلَةِ وَالْقَرَارِ، وَهَكَذَا وَقَعَ الْإِطْلَاقُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعَجَلَةِ فِي السَّيْرِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي أَمْنٍ وَقَرَارٍ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالظُّهْرُ كَالْفَجْرِ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ دُونَ ذَلِكَ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِالْقِصَارِ جِدًّا، فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا عَلِمْته مِنْ إطْلَاقِ الْجَامِعِ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ عَلَى أَمْنٍ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْمُضْمَرَاتِ وَأَمَّا الْمَسْنُونُ سَفَرًا أَوْ حَضَرًا فَسَيَأْتِي وَالْمَكْرُوهُ نَقْصُ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَحَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَمَا قِيلَ لَوْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا كَإِطَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُشْكِلٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ إلَّا فَرْضًا فَأَيْنَ بَاقِي الْأَقْسَامِ اهـ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَ الْإِيقَاعِ اهـ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَوْ قَالَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَيَّ سُورَةٍ شَاءَ لَكَانَ أَوْلَى إذْ كَلَامُهُ بِظَاهِرِهِ يُفِيدُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ اهـ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ قِرَاءَةَ مَا ذَكَرَهُ هِيَ السُّنَّةُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمَقْرُوءِ وَاجِبًا إذْ الشَّيْءُ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ فِي نَفْسِهِ، أَلَا تَرَى إلَى عَدِّهِمْ التَّثْلِيثَ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ مِنْ السُّنَنِ مَعَ أَنَّ أَصْلَ الْغُسْلِ فَرْضٌ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الْقِرَاءَةُ فِي الْمُفَصَّلِ سُنَّةٌ وَالْمِقْدَارُ الْخَاصُّ مِنْهُ أُخْرَى، وَقَدْ أَمْكَنَ مُرَاعَاةُ الْأَوْلَى فَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ قَوْلُ الْهِدَايَةِ لِإِمْكَانِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ شُرَّاحِهَا كَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ كَانَ هُوَ وَالْمُقِيمُ سَوَاءً فِي أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مُرَاعَاةِ سُنِّيَّةِ الْقِرَاءَةِ بِالتَّطْوِيلِ وَالْمُقِيمُ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ؟ قُلْت: قِيَامُ السَّفَرِ أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ لَا مَعَ الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ؟ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ ذِكْرَ نَحْوِ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَالِانْشِقَاقِ لَيْسَ لِعَدَدِ آيَاتِهِمَا بَلْ لِأَنَّهُمَا مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ فَانْدَفَعَ بِهِ قَوْلُ أَنَّ التَّحْدِيدَ بِسُورَةِ الْبُرُوجِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَدَعْوَى أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْمُوَاظَبَةِ إنْ أُرِيدَ مُطْلَقُهَا مَنَعْنَاهُ أَوْ الْمُؤَكَّدَةُ فَبَعْدَ تَسْلِيمِهِ لَيْسَ مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ وَإِقْرَارُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا فِيهَا وَجَزْمُ الشَّارِحِ بِهِ وَغَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْيِيدِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ اهـ.
أَقُولُ: قَوْلُهُ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْمُفَصَّلِ سُنَّةٌ إنْ أَرَادَ مُطْلَقَ الْمُفَصَّلِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَجْرِ وَالسُّنَّةُ فِيهِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ، وَإِنْ أَرَادَ الطِّوَالَ مِنْهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ آخِرًا بَلْ لِأَنَّهُمَا مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْبُرُوجَ مِنْ الْأَوْسَاطِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْكَافِي فَالظَّاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ مِنْ حَمْلِهِ التَّخْفِيفَ عَلَى أَنَّ الْوَسَطَ فِي الْحَضَرِ يُجْعَلُ طَوِيلًا فِي السَّفَرِ وَلَكِنَّ تَعْبِيرَهُ بِالْوَسَطِ وَالطَّوِيلِ مُحْتَمِلٌ لِمَعْنَيَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَسَطُ مِنْ الْمُفَصَّلِ يُجْعَلُ كَالطِّوَالِ مِنْهُ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي الشرنبلالية وَتَكَلَّفَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الِانْشِقَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute