للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَارٍ صَارَ كَالْمُقِيمِ سَوَاءً، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ السُّنَّةَ وَالسَّفَرَ، وَإِنْ كَانَ مُؤَثِّرًا فِي التَّخْفِيفِ لَكِنَّ التَّحْدِيدَ بِقَدْرِ سُورَةِ الْبُرُوجِ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَمْ يَنْقُلُوهُ وَكَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي السَّفَرِ شَيْئًا لَا يَدُلُّ عَلَى سُنِّيَّتِهِ إلَّا لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ فَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ وَشَمِلَ سُورَةَ الْكَوْثَرِ فَمَا فِي الْحَاوِي مِنْ تَعْيِينِهِ بِمِقْدَارِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَصَاعِدًا مُشِيرًا بِذَلِكَ إلَى إخْرَاجِ سُورَةِ الْكَوْثَرِ فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَ التَّعْمِيمِ وَالتَّفْوِيضِ إلَى مَشِيئَتِهِ بِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ الْحَاصِلِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِسُورَةٍ دُونَ سُورَةٍ يَدُلُّ عَلَى الشُّمُولِ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْحَضَرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ لَوْ فَجْرًا أَوْ ظُهْرًا وَأَوْسَاطُهُ لَوْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً وَقِصَارُهُ لَوْ مَغْرِبًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ كِتَابُ عُمَرَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ قِصَارُ الْمُفَصَّلِ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْعَجَلَةِ وَالتَّخْفِيفُ أَلْيَقُ بِهَا وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ يُسْتَحَبُّ فِيهِمَا التَّأْخِيرُ، وَقَدْ يَقَعَانِ فِي التَّطْوِيلِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ فَيُؤَقَّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ، وَالطِّوَالُ وَالْقِصَارُ بِكَسْرِ الْأَوَّلِ فِيهِمَا جَمْعُ طَوِيلَةٍ وَقَصِيرَةٍ كَكِرَامٍ وَكَرِيمَةٍ، وَأَمَّا الطُّوَالُ بِالضَّمِّ فَهُوَ الرَّجُلُ الطَّوِيلُ وَالْأَوْسَاطُ جَمْعُ وَسَطٍ بِفَتْحِ السِّينِ مَا بَيْنَ الْقِصَارِ وَالطِّوَالِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْمُفَصَّلَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ طِوَالٌ، وَمِنْهَا إلَى لَمْ يَكُنْ أَوْسَاطٌ، وَمِنْهَا آخِرَ الْقُرْآنِ قِصَارٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النُّقَايَةِ وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ، وَقِيلَ لِقِلَّةِ النُّسُوخِ فِيهِ وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ مَا يُسَنُّ فِي حَقِّ الْإِمَامِ مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَأَفَادَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ الْمُفَصَّلِ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْفَتَاوَى قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى التَّأْلِيفِ فِي الصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهَا؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ عَلَى التَّأْلِيفِ فِي الصَّلَاةِ، وَمَشَايِخُنَا اسْتَحْسَنُوا قِرَاءَةَ الْمُفَصَّلِ لِيَسْتَمِعَ الْقَوْمُ وَيَتَعَلَّمُوا اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَدَدَ الْآيَاتِ الَّتِي تُقْرَأُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ

ــ

[منحة الخالق]

الْمَذْكُورَةِ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الطِّوَالِ فَحَمَلَهُ عَلَى مَا قِيلَ إنَّهَا مِنْ الْأَوْسَاطِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَوْسَطِ مِنْ حَيْثُ الْمِقْدَارُ يُجْعَلُ طَوِيلًا لِلتَّخْفِيفِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ لِإِمْكَانِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ أَنَّ نَحْوَ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ فِيهِ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ فِي الْمِقْدَارِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ آيَةً مَعَ التَّخْفِيفِ عَنْ طَلَبِ سِتِّينَ آيَةً فَأَكْثَرَ

(قَوْلُهُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ فَقِيلَ سُورَةُ الْقِتَالِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْحُجُرَاتُ فَهُوَ السُّبْعُ الْأَخِيرُ وَقِيلَ مِنْ " ق " وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ الْجَاثِيَةُ، وَهُوَ غَرِيبٌ فَالطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ عَلَى الْخِلَافِ إلَى الْبُرُوجِ وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى لَمْ يَكُنْ وَالْقِصَارُ الْبَاقِي، وَقِيلَ الطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى عَبَسَ وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى وَالضُّحَى وَالْبَاقِي الْقِصَارُ اهـ.

وَقِيلَ غَيْرُهَا قَالَ الرَّمْلِيُّ وَنَظَمَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ الْأَقْوَالَ فِي الْمُفَصَّلِ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ

مُفَصَّلُ قُرْآنٍ بِأَوَّلِهِ أَتَى ... خِلَافٌ فَصَافَّاتٌ وَقَافٌ وَسَبِّحْ

وَجَاثِيَةٌ مُلْكٌ وَصَفٌّ قِتَالُهَا ... وَفَتْحٌ ضُحَى حُجُرَاتُهَا ذَا الْمُصَحَّحْ

زَادَ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ قَوْلَيْنِ فَأَوْصَلَهَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا: الرَّحْمَنُ قَالَ حَكَاهُ ابْنُ السَّيِّدِ فِي أَمَالِيهِ عَلَى الْمُوَطَّإِ وَالْإِنْسَانُ اهـ.

(تَنْبِيهٌ) الْغَايَةُ لَيْسَتْ مِمَّا قَبْلَهَا فَالْبُرُوجُ مِنْ الْأَوْسَاطِ لَا الطِّوَالِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَرَأَ فِي الْعَصْرِ فِي الْأُولَى الْبُرُوجَ، وَفِي الثَّانِيَة سُورَةَ الطَّارِقِ» اهـ.

كَذَا فِي الشرنبلالية أَقُولُ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَلَا يَخْفَى دُخُولُ الْغَايَةِ فِي الْمُغَيَّا هُنَا اهـ.

وَنَقَلَ مِثْلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ، ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ خُرُوجُهَا فِيمَا عَدَا الْآخِرَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ آخِرَ الْمُفَصَّلِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ بِلَا خِلَافٍ وَيُمْكِنُ إرْجَاعُ كَلَامِ النَّهْرِ وَالْبُرْجُنْدِيِّ إلَيْهِ، وَإِنْ احْتَمَلَتْ الْإِشَارَةُ بِهُنَا إلَى جَمِيعِ حُدُودِ الْمُفَصَّلِ وَلَا مَحْذُورَ فِي التَّوْزِيعِ بِهَذَا الطَّرِيقِ إذَا أَوْصَلَ إلَى التَّوْفِيقِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.

وَقَدْ حَمَلَ الرَّمْلِيُّ كَلَامَ النَّهْرِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. أَقُولُ: لَكِنَّ كَلَامَ النَّهْرِ فِيمَا مَرَّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا مِنْ الطِّوَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي عِبَارَتِهَا حَيْثُ رَدَّ عَلَى أَخِيهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَدَدَ الْآيَاتِ الَّتِي تُقْرَأُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَتَقَدَّمَ عَنْ النَّهْرِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْمُفَصَّلِ سُنَّةٌ وَمِقْدَارُ الْخَاصِّ سُنَّةٌ أُخْرَى لَكِنْ فِي السِّرَاجِ عَنْ الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِقْدَارَ الْمَذْكُورَ مُسْتَحَبٌّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَمَكْرُوهٌ. وَالْفَرْضُ آيَةٌ، الْوَاجِبُ الْفَاتِحَةُ وَسُورَةٌ، وَالْمَسْنُونُ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَأَوْسَاطُهُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَقِصَارُهُ فِي الْمَغْرِبِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْفَجْرِ إذَا كَانَ مُقِيمًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ، وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا أَوْ الْفَاتِحَةَ وَمَعَهَا آيَةٌ أَوْ آيَتَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>