لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ وَالْمَشَايِخِ وَالْمَنْقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سِوَى الْفَاتِحَةِ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ آيَةً وَاقْتَصَرَ فِي الْأَصْلِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَرَوَى الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ مَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ وَوَرَدَتْ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالُوا يُعْمَلُ بِالرِّوَايَاتِ كُلِّهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ بِهِ، فَقِيلَ: مَا فِي الْمُجَرَّدِ مِنْ الْمِائَةِ مَحْمَلُ الرَّاغِبِينَ وَمَا فِي الْأَصْلِ مَحْمَلُ الْكَسَالَى أَوْ الضُّعَفَاءِ وَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ السِّتِّينَ مَحْمَلُ الْأَوْسَاطِ، وَقِيلَ: يُنْظَرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِيِ وَقِصَرِهَا وَإِلَى كَثْرَةِ الْأَشْغَالِ، وَقِلَّتِهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ هَذَا مَحْمَلَ اخْتِلَافِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كُسَالَى، فَيُجْعَلُ قَاعِدَةً لِفِعْلِ الْأَئِمَّةِ فِي زَمَانِنَا وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ فِي الْحَضَرِ عَنْ الْأَرْبَعِينَ وَإِنْ كَانُوا كُسَالَى؛ لِأَنَّ الْكُسَالَى مَحْمَلُهَا اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَرْبَعِينَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْفَجْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ مَشَايِخُنَا إذَا كَانَتْ الْآيَاتُ قِصَارًا فَمِنْ السِّتِّينَ إلَى مِائَةٍ وَإِذَا كَانَتْ أَوْسَاطًا فَخَمْسِينَ وَإِذَا كَانَتْ طِوَالًا فَأَرْبَعِينَ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الظُّهْرَ كَالْفَجْرِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِالطِّوَالِ وَذُكِرَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا إلَى الْقُدُورِيِّ أَنَّ الظُّهْرَ كَالْعَصْرِ يَقْرَأُ فِيهِ بِالْأَوْسَاطِ
وَأَمَّا فِي عَدَدِ الْآيَاتِ فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الظُّهْرَ كَالْفَجْرِ فِي الْعَدَدِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَعَةِ الْوَقْتِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاشْتِغَالِ فَيَنْقُصُ عَنْهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَلَالِ وَعَيَّنَهُ فِي الْحَاوِي بِأَنَّهُ دُونَ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ، وَأَمَّا عَدَدُ الْآيِ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ فَعِشْرُونَ آيَةً فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ آيَةً فِيهِمَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا قَدْرُ مَا فِي الْمَغْرِبِ فَفِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ سُورَةٌ قَصِيرَةٌ خَمْسُ آيَاتٍ أَوْ سِتُّ آيَاتٍ سِوَى الْفَاتِحَةِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إلَى الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي الْحَاوِي أَنَّ حَدَّ التَّطْوِيلِ فِي الْمَغْرِبِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسُ آيَاتٍ أَوْ سُورَةٌ قَصِيرَةٌ وَحْدُ الْوَسَطِ وَالِاخْتِصَارِ سُورَةٌ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِرَاءَةِ تَقْدِيرٌ مُعَيَّنٌ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَقْتِ وَحَالِ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ وَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ مِقْدَارَ مَا يَخِفُّ عَلَى الْقَوْمِ وَلَا يُثْقِلُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّمَامِ وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
(قَوْلُهُ وَتُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ فَقَطْ) بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ وَهَذَا أَعْنِي إطَالَةَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِلتَّوَارُثِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَيُعِينُ الْإِمَامُ الْجَمَاعَةَ بِتَطْوِيلِهَا رَجَاءَ أَنْ يُدْرِكُوهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُمْ بِالنَّوْمِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُخْتَصَرُ حَدَّ التَّطْوِيلِ وَبَيَّنَهُ فِي الْكَافِي بِأَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، الثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ وَهَذَا بَيَانُ الِاسْتِحْبَابِ أَمَّا بَيَانُ الْحُكْمِ فَالتَّفَاوُتُ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا لَا بَأْسَ بِهِ لِوُرُودِ الْأَثَرِ. اهـ.
وَاخْتَارَ فِي الْخُلَاصَةِ قَدْرَ النِّصْفِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَحَدُّ الْإِطَالَةِ فِي الْفَجْرِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ، وَفِي الْأُولَى مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى سِتِّينَ آيَةً، وَفِي قَوْلِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ التَّطْوِيلُ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الظُّهْرِ وَيُقَصِّرُ الثَّانِيَةَ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» وَاسْتَدَلَّ لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْعَصْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَ عَشَرَ آيَةً» فَإِنَّهُ نَصٌّ ظَاهِرٌ فِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَخْ) أَيْ فَيَقْرَأُ فِي الشِّتَاءِ مِائَةً، وَفِي الصَّيْفِ أَرْبَعِينَ، وَفِي الْخَرِيفِ وَالرَّبِيعِ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْكُسَالَى الضُّعَفَاءُ وَلَا يُنْكَرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الضُّعَفَاءُ فَجَازَ أَنَّهُ كَانَ يُرَاعِي حَالَهُمْ إذَا صَلُّوا مَعَهُ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَعَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ) وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْبَهْنَسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى مِنْ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فَغَرِيبٌ وَلِذَا قَالَ تِلْمِيذُهُ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّ إطَالَةَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مَسْنُونَةٌ وَلَمْ أَرَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ.
أَقُولُ: بَلْ نَقَلَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى سُنِّيَّتِهَا. (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ فِي الْخُلَاصَةِ قَدْرَ النِّصْفِ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ كَلَامَ الْخُلَاصَةِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْكَافِي إذْ لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى سِتِّينَ، وَفِي الثَّانِيَة ثَلَاثِينَ كَانَ التَّفَاوُتُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَدْرِ النِّصْفِ لَمْ يُنَافِ ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ مَا فِي الثَّانِيَةِ نِصْفُ مَا فِي الْأُولَى فَلَيْسَ قَوْلًا آخَرَ مُغَايِرًا لِمَا فِي الْكَافِي كَمَا يُشْعِرُ بِهِ مُقَابَلَتُهُ لَهُ، تَدَبَّرْ