للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدَّمْنَاهَا لِصِحَّةِ الْبِنَاءِ لَا بُدَّ مِنْهَا لِلسَّلَامِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ فَوْرًا أَوْ أَتَى بِمُنَافٍ بَعْدَهُ فَاتَهُ السَّلَامُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ مَنْ يُسَلِّمُ بِالْقَوْمِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَمَّدَهُ أَوْ تَكَلَّمَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) أَيْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَحْدَثَ يَعْنِي الرَّجُلَ، وَقَدْ جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ» وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ تَمَّتْ فَرَائِضُهَا، وَلِهَذَا لَمْ تَفْسُدْ بِفِعْلِ الْمُنَافِي وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ بِسَائِرِ مَا يُنْسَبُ إلَيْهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ بِلَفْظِ السَّلَامِ وَهُوَ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ تَكُونُ مُؤَدَّاةً عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ فَتُعَادُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي أَنَّ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَهُ يَتَوَضَّأُ وَيُسَلِّمُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ حَتَّى أَتَى بِمُنَافٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا يَكَادُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُنَافٍ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا بِصُنْعِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَإِنَّمَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا خَرَجَ مِنْهَا لَا بِصُنْعِهِ كَالْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةِ كَمَا سَنُقَرِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَشَمِلَ تَعَمُّدُ الْحَدَثِ الْقَهْقَهَةَ عَمْدًا فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَبَطَلَ وُضُوءُهُ لِوُجُودِهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَصَارَ كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَإِنْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ قَهْقَهَ الْقَوْمُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ دُونَهُمْ لِخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِحَدَثِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ قَهْقَهَتِهِمْ بَعْدَ سَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِسَلَامَةٍ فَبَطَلَتْ طَهَارَتُهُمْ، وَإِنْ قَهْقَهُوا مَعًا أَوْ الْقَوْمُ ثُمَّ الْإِمَامُ فَعَلَيْهِمْ الْوُضُوءُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا اتِّفَاقًا، وَلِهَذَا لَا يُسَلِّمُونَ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِسَلَامِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا بِكَلَامِهِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَالسَّلَامِ فَيُسَلِّمُونَ وَتَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُمْ بِالْقَهْقَهَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ كَالْحَدَثِ الْعَمْدُ فَلَا سَلَامَ وَلَا نَقْضَ بِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ وَبَطَلَتْ إنْ رَأَى مُتَيَمِّمٌ مَاءً) أَيْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَا عِبْرَةَ بِالرُّؤْيَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْقُدْرَةِ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمَهُ فِي بَابِهِ وَإِنَّمَا بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَانَ شَرْطُ الْبَقَاءِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ وَكَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا أَيْسَرَ لَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ ظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ فَكَأَنَّهُ شَرَعَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ بِوُضُوءٍ تَامٍّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا رَأَى الْمُتَيَمِّمُ قَبْلَ سَبْقِ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْبُطْلَانُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وَاخْتَارَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَبْنِي دُونَ فَسَادٍ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُتَعَاقِبَةَ كَالْبَوْلِ ثُمَّ الرُّعَافِ ثُمَّ الْقَيْءِ إذَا أَوْجَبَتْ أَحْدَاثًا مُتَعَاقِبَةً يُجْزِئُهُ عَنْهَا وُضُوءٌ وَاحِدٌ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ فَبَالَ، ثُمَّ رَعَفَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ أَنَّهُ يَحْنَثُ

وَإِنْ قُلْنَا لَا يُوجِبُ كَمَا قَدَّمْنَا النَّظَرَ فِيهِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ الْحَقُّ فِي اعْتِقَادِي لَكِنَّ كَلَامَ النِّهَايَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَلَا تَتَفَرَّغُ مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ اهـ.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا الْفَرْعِ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا الِاسْتِقْبَالَ بِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ الْحَدَثُ السَّابِقُ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ شَرَعَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا تُوجِبُ أَحْدَاثًا أَوْ حَدَثًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُتَيَمِّمِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَوَضِّئٌ يُصَلِّي خَلْفَ مُتَيَمِّمٍ فَرَأَى الْمُؤْتَمُّ الْمَاءَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعِلْمِهِ أَنَّ إمَامَهُ قَادِرٌ

ــ

[منحة الخالق]

وَالْحَالِمُ الْمُحْتَلِمُ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ عَمَّ فَقِيلَ لِمَنْ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ حَالِمٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>