للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُصَنِّفُ بِالِابْتِلَاعِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ والولوالجية وَكَثِيرٍ دُونَ الْأَكْلِ لَكَانَ أَوْلَى ثُمَّ إذَا كَانَ ابْتِلَاعُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ بِشَرْطِهِ عَلَى الْخِلَافِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ فَكَانَ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مُرُورُ الْمَارِّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِ الْمُصَلِّي فَإِنَّمَا لَا يُفْسِدُهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَارُّ امْرَأَةً أَوْ حِمَارًا أَوْ كَلْبًا أَوْ غَيْرَهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا وَالْبُيُوتُ يَوْمئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» .

وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» لَكِنْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ لِأَنَّهُ يُرْوَى مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ عَدَمِ الْفَسَادِ الثَّانِي أَنَّ الْمَارَّ آثِمٌ لِلْحَدِيثِ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ الرَّاوِي لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ عَامًا أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا» وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَالَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ مَا لَهُ فِي أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا فِي الصَّلَاةِ كَانَ لَأَنْ يُقِيمَ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْخَطْوَةِ الَّتِي خَطَا» وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْإِثْمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، الثَّالِثُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَكَانِ حَقُّهُ وَفِي تَحْرِيمِ مَا وَرَاءَهُ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمَارَّةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ وَهُوَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَقَاضِي خَانْ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْأَحْسَنُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ دُونَ مَا وَرَاءَهُ

وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ خَاشِعٍ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ فَلَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ فِي قِيَامِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي رُكُوعِهِ إلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَفِي سَلَامِهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَصَرُهُ لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا حَسَنٌ

وَفِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْرَ مَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ لَوْ صَلَّى بِخُشُوعٍ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ أَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ لِأَنَّ الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَحَاذَى أَعْضَاءُ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ فَإِنَّ الْمُرُورَ أَسْفَلَ الدُّكَّانِ مَكْرُوهٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ سُجُودِ الْمُصَلِّي فَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى مَنْ اعْتَبَرَ مَوْضِعَ السُّجُودِ فَمَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يَمْشِي فِي كُلِّ الصُّوَرِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي اخْتِيَارَاتِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ الْمَوْضِعُ الْقَرِيبُ مِنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ فَيَئُولُ إلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بَعْدَ اعْتِبَارِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ شَرَطَ عَدَمَ الْحَائِلِ كَالْأُسْطُوَانَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِمَسْأَلَةِ الْمُرُورِ أَسْفَلَ الدُّكَّانِ اهـ.

وَهُوَ تَكَلُّفٌ وَاَلَّذِي

ــ

[منحة الخالق]

فَلَا يُفْسِدُ بِخِلَافِ الْحِمَّصَةِ اهـ.

قُلْت كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِيمَا إذَا مَضَغَهُ كَثِيرًا وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ غَنِيًّا عَنْ الْمَضْغِ وَدَعْوَى عَدَمِ تَأَتِّي الْمَضْغِ فِيهِ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ فَإِنَّ الْمَضْغَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ لَوْكُ الشَّيْءِ بِالسِّنِّ وَالسِّنُّ يَشْمَلُ الثَّنَايَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَلُوكَهُ بِهَا كَثِيرًا (قَوْلُهُ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَلَى مَا قِيلَ اهـ.

قُلْت تَصْرِيحُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَضْعِيفًا لَهُ وَكَأَنَّهُ أَتَى بِهِ لِيُشِيرَ إلَى الْخِلَافِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَارٌ لَهُ تَصْحِيحُهُ لَهُ فِي التَّجْنِيسِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَمِنْهُمْ بِخَمْسَةٍ وَمِنْهُمْ بِأَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ بِمِقْدَارِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِكَوْنِهِ مُخْتَارَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ فِي كِتَابِهِ التَّجْنِيسِ لَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) .

أَقُولُ: مِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّوْفِيقَ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ وَنَصُّهَا فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمْ مِقْدَارُ مَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ مُرُورُهُ مَكْرُوهًا وَالصَّحِيحُ مِقْدَارُ مُنْتَهَى بَصَرِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ

وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ مِقْدَارُ مَا بَيْنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ مَقَامِ الْإِمَامِ وَهَذَا عَيْنُ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِيمَا قَرَأْنَا عَلَى شَيْخِنَا مِنْهَاجَ الْأَئِمَّةِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يَمُرَّ بِحَيْثُ يَقَعُ بَصَرُهُ وَهُوَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَاشِعِينَ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْضَحُ انْتَهَتْ عِبَارَتُهُ بِحُرُوفِهَا وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى الْمُدَّعِي مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْيِينَ مَوْضِعِ السُّجُودِ حَيْثُ جُعِلَ الْفَرْقُ فِي التَّعْبِيرِ فَقَطْ وَأَنَّ الثَّالِثَةَ أَوْضَحُ مِمَّا قَبْلَهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ وَانْظُرْ إلَى الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ وَإِلَى عِبَارَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّك لَا تَكَادُ تَجِدُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>