للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ الرَّاجِحَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الدُّكَّانِ إنَّمَا تَرِدُ عَلَيْهِ نَقْضًا لَوْ سَكَتَ عَنْهَا

وَأَمَّا إذَا صَرَّحَ بِهَا فَلَا فَكَأَنَّهُ قَالَ الْعِبْرَةُ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ إنْ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى دُكَّانٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا فَالْعِبْرَةُ لِلْمُحَاذَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وَإِنَّمَا شَرَطَ عَدَمَ الْحَائِلِ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْحَائِلِ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ كَأَنْ يُصَلِّيَ قَرِيبًا مِنْ جِدَارٍ بِالْإِيمَاءِ لِلْمَرَضِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْجِدَارُ لَكَانَ مَوْضِعُهُ مَوْضِعَ السُّجُودِ فَلَا مُنَافَاةَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَوْ أَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الْحَائِلِ إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَحِلِّ الْخِلَافِ فَإِنَّ الْمُرُورَ وَرَاءَ الْحَائِلِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ لَا شَرْطٌ فِي الْمُرُورِ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ وَمِمَّا يُضْعِفُ تَصْحِيحَ النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ مُخْتَلِفٌ يَكُونُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ مُخَالِفًا لِحَالَةِ الرُّكُوعِ وَفِي حَالَةِ الْجُلُوسِ مُخَالِفًا لِلْكُلِّ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ مَرَّ إنْسَانٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَهُوَ جَالِسٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ بَصَرَهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ حَالَةَ كَوْنِهِ خَاشِعًا وَلَوْ مَرَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ وَهُوَ قَائِمٌ يُكْرَهُ لِأَنَّ بَصَرَهُ يَقَعُ عَلَيْهِ حَالَةَ خُشُوعِهِ وَأَنَّهُ لَوْ مَرَّ دَاخِلَ مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ بَصَرَهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ حَالَةَ خُشُوعِهِ وَأَنَّهُ لَوْ مَرَّ عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ يُسَلِّمُ بِحَيْثُ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهِ خَاشِعًا يُكْرَهُ وَهَذَا كُلُّهُ بَعِيدٌ عَنْ الْمَذْهَبِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالِاخْتِلَافُ فِي مَوْضِعِ الْمُرُورِ إنَّمَا هُوَ مُنْشَأٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْكِتَابِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ

وَحَيْثُ لَمْ يَنُصَّ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ عَلَى شَيْءٍ فَالتَّرْجِيحُ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ لِانْضِبَاطِهِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ الصَّحْرَاءَ وَالْمَسْجِدَ وَفِي الْمَسْجِدِ اخْتِلَافٌ فَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ مَرَّ عَنْ بُعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا صَحَّحَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا كَانَ كَبِيرًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ التَّاسِعِ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا يُكْرَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَمُرُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْإِمَامِ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاةٌ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ انْحَرَفَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ وَإِنْ شَاءَ قَامَ وَذَهَبَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ رَجُلٌ يُصَلِّي وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَجْهُهُ مُقَابِلَ وَجْهِ الْإِمَامِ فِي حَالِ قِيَامِهِ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا صُفُوفٌ

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَ جُلُوسَ الْإِمَامِ فِي مِحْرَابِهِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ جُلُوسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَوْضِعِ سُجُودِهِ وَكَذَا مُرُورُ الْمَارِّ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ مِنْ الْمَسْجِدِ بِمَنْزِلَةِ مُرُورِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَفِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا بِمَنْزِلَةِ الْجَامِعِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ فَيُكْرَهُ الْمُرُورُ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحْرَاءِ اهـ.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الدُّكَّانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا أَوْرَدَ الْمَشَايِخُ مَسْأَلَةَ الدُّكَّانِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ لَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ فَكَانَتْ مَسْأَلَةُ الدُّكَّانِ نَقْضًا لِمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَتَمَشَّى فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرَ مَنْقُوضٍ. اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِيهِ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى تَفْسِيرِ الْحَائِلِ بِالْجِدَارِ وَالْأُسْطُوَانَةِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ سِتَارَةً تَرْتَفِعُ إذَا سَجَدَ وَتَعُودُ إذَا قَامَ كَمَا قَالَ مُلَّا سَعْدِي. اهـ.

قُلْت وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ أَقَلُّ تَكَلُّفًا مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمِمَّا يُضْعِفُ تَصْحِيحَ النِّهَايَةِ إلَخْ) .

أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَارِدٍ وَمَا قَرَّرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ غَايَةَ الْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ سَابِقًا بَيَانًا لِلْأَمَاكِنِ الَّتِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهَا فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهَا فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَكَذَا قَوْلُهُ وَفِي سَلَامِهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ مَعَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ عَلَى هَذَا الْمَرَامِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ ظَاهِرُ الْكَلَامِ بَلْ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا تَقْبَلُهُ الْأَفْهَامُ وَيَسْتَدْعِيهِ الْمَقَامُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَصَرُهُ لَوْ نَظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَقِيَّةِ عِبَارَتِهِ بَيَانٌ لِصَلَاةِ الْخَاشِعِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْدِيدُ بِهِ وَهَذَا مَعْنًى قَرِيبٌ يَقْبَلُهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إذَا صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَصَرُهُ لَمْ يُكْرَهْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَضْعُفُ مَا فِي النِّهَايَةِ مَعَ أَنَّهُ رَجَّحَهُ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى أَنَّك عَلِمْت رُجْحَانَ رُجُوعِ مَا فِي الْهِدَايَةِ إلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْهِدَايَةِ

(قَوْلُهُ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا) وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ ذِرَاعًا وَقِيلَ مِنْ أَرْبَعِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْجَوَاهِرِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ مِسْكِينٍ لِلسَّيِّدِ مُحَمَّدٍ أَبِي السُّعُودِ قُلْت وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الدَّارُ وَالْبَيْتُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُفَصِّلْ إلَخْ) هَذَا أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ عِنْدَ ذِكْرِ مَسَائِلِ السُّجُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>