للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَصَلَاةِ الْبَانِي بَعْدَ الْوُضُوءِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَلَاةِ النَّائِمِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُنَا

وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا تَنْقُضُ أَصْلًا قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ نَقْضِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ ذَلِكَ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقَهْقَهَةُ فِي ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ بِمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَتَرَدَّى فِي حُفْرَةٍ، وَكَانَ فِي بَصَرِهِ ضَرَرٌ فَضَحِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْقَوْمِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا قِيلَ بِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ الضَّحِكُ بِالصَّحَابَةِ خَلْفَهُ قَهْقَهَةً أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَهُ الصَّحَابِيُّونَ وَالْمُنَافِقُونَ وَالْأَعْرَابُ الْجُهَّالُ فَالضَّاحِكُ لَعَلَّهُ كَانَ بَعْضَ الْأَحْدَاثِ أَوْ الْمُنَافِقِينَ أَوْ بَعْضَ الْأَعْرَابِ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَيْهِمْ كَمَا بَالَ أَعْرَابِيٌّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: ١١] ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ بِاللَّهْوِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ حُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِلَّا فَلَيْسَ الضَّحِكُ كَبِيرَةً وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ الصَّغَائِرِ بِمَعْصُومِينَ وَلَا عَنْ الْكَبَائِرِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ كَبِيرَةً اهـ.

وَالْمَنْقُولُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الصَّحَابَةَ عُدُولٌ فَهُمْ مَحْفُوظُونَ مِنْ الْمَعَاصِي وَقَيَّدَ بِالْقَهْقَهَةِ؛ لِأَنَّ الضَّحِكَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَذَا أَصْلُهُ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْحَاءِ مَعَ فَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَعَمُّ مِنْ الْقَهْقَهَةِ، وَهِيَ مِنْ أَفْرَادِهِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ فَقَطْ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بَلْ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ

وَأَمَّا التَّبَسُّمُ، وَهُوَ مَا لَا صَوْتَ فِيهِ أَصْلًا بِأَنْ تَبْدُوَ أَسْنَانُهُ فَقَطْ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُمَا «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَسَّمَ فِي الصَّلَاةِ حِينَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَخْبَرَهُ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْك مَرَّةً صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «مَا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا تَبَسَّمَ، وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ» كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّبَسُّمَ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَا حُكْمَ لِلتَّبَسُّمِ وَقَدْ رَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِحَرْفَيْنِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ عَمَلًا بِعَدَمِ تَبْعِيضِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْضُهُ وَقَعَ كُلُّهُ قِيَاسًا لِوُقُوعِهِ عَلَى ارْتِفَاعِهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَبَعَّضُ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحُكْمَ، وَهُوَ النَّقْضُ مُعَلَّقٌ بِالْقَهْقَهَةِ فَإِذَا وُجِدَ بَعْضُهَا لَا يُوجَدُ الْحُكْمُ وَلَا بَعْضُهُ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْضُهُ مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ: وَمُبَاشَرَةٌ فَاحِشَةٌ) يَعْنِي أَنَّ مِنْ النَّوَاقِضِ الْحُكْمِيَّةِ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ، وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ وَلَاقَى فَرْجُهُ فَرْجَهَا مَعَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ مُلَاقَاةَ الْفَرْجِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَذَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَمْ يَشْتَرِطْ مُمَاسَّتَهُمَا وَشَرَطَ ذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا اهـ.

فَعُلِمَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي الْيَنَابِيعِ وَقَالَ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ، وَهُوَ أَظْهَرُ اهـ.

فَقَوْلُ مَنْ قَالَ الظَّاهِرُ الِاشْتِرَاطُ أَرَادَ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ لَا الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَ الْإِسْبِيجَابِيُّ اشْتِرَاطَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ حَدَثًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُقَامُ مُقَامَ الْمُسَبَّبِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى الْمُسَبَّبِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَالْوَقْفُ عَلَى الْمُسَبَّبِ هُنَا مُمْكِنٌ بِلَا حَرَجٍ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالُ يَقَظَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِقَامَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا الْيُسْرِ بَائِعَ الْعَسَلِ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ إنِّي أَصَبْت مِنْ امْرَأَتِي كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّهُ يَنْدُرُ عَدَمُ مَذْيٍ مَعَ هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي مَقَامِ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ

وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ يَقُومُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ) الْمَذْكُورُ هُنَا ثَلَاثٌ لَكِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَجُوزُ كَسْرُهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>